62 س هل قال ابن عربي عن أمير المؤمنين إمام العالم وسر الأنبياء وما حكاية الدس
(62) س : هل قال ابن عربي عن أمير المؤمنين إمام العالم وسر الأنبياء وما حكاية الدس في الفتوحات ؟
ج : إن عبارة : (أقرب الناس إليه علي بن أبي طالب إمام العالم وسر الأنبياء أجمعين) موجودة في إحدى نسخ الفتوحات وفي نسخة أخرى المذكور : (أقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وأسرار الأنبياء)([1]) والفرق واضح وكبير ما بين العبارتين إذ لا يوجد في هذه النسخة أن أمير المؤمنين هو إمام العالم وسر الأنبياء. ولا يمكن الجزم بصحة النسخة الأولى دون الأخرى .
وعبد الوهاب الشعراني (ت:973هـ) في اليواقيت والجواهر نقلها بهذه الصيغة : (وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين)([2]).
والشعراني بحسب ما ذكر أن شيخه أراه نسخة من الفتوحات قابلها على نسخة ابن عربي بخط يده : (جميع ما لم يفهمه الناس من كلامه إنما هو لعلو مراقيه وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه كما أخبرني بذلك سيدي الشيخ أبو الطاهر المغربي نزيل مكة المشرفة ثم أخرج لي نسخة (الفتوحات) التي قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه في مدينة قونية فلم أر فيها شيئا مما كنت توقفت فيه وحذفته حين اختصرت الفتوحات)([3]).
ويقول الشعراني أيضا أن كتبه المروية لنا عن ابن عربي بالسند الصحيح فيها اختلاف عن غيرها : (أخبرني العارف باللّه تعالى ، الشيخ أبو طاهر المزني الشاذلي رضي اللّه عنه أن جميع ما في كتب الشيخ محيي الدين مما يخالف ظاهر الشريعة مدسوس عليه . قال لأنه رجل كامل بإجماع المحققين ، والكامل لا يصح في حقه شطح عن ظاهر الكتاب والسنة ، لأن الشارع أمنه على شريعته انتهى فلهذا تتبعت المسائل التي أشاعها الحسدة عنه وأجبت عنها ، لأن كتبه المروية لنا عنه بالسند الصحيح ليس فيها ذلك)([4]).
والحق أن كلا النسختين مضافا لما نقله الشعراني لا يمكن الركون لأي منها ، كما أن كلام الشعراني في تبرئة ابن عربي عن بعض الأمور وإيكال أمرها إلى الدس لا يمكن التعويل عليه أيضاً ، لأنه لم يكن مستنداً إلى دليل معتد به ، مع ملاحظة أن بعض الصوفية يحاولون تصحيح وتنزيه مشايخهم عن كل تهمة وطعن وإن كان بغير دليل.
ومن غير المستبعد أن يقصد الشعراني من الدس في كتب ابن عربي هو خصوص ما جاء فيه من الكلمات التي تعظم أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام بصورة عامة ، ويكون المراد من قوله المتقدم : (وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه) أن المخالف لظاهر الشريعة وما عليه الجمهور هو ما يدل على إمامة أهل البيت وتفضيلهم على ما سواهم ؛ ولهذا كان يقول عثمان يحيى في النسخة المتضمنة لنعت أمير المؤمنين : (إمام العالم وسر الأنبياء) بأنها : (ذات النزعة الشيعية الواضحة)([5]).
وهذا مما يجعلك تقيد حكاية الدس في كتب ابن عربي في خصوص الموافقة لما عليه الشيعة ، وليس كل مطلب فيه مخالفة للشريعة نعزوه إلى الدس فلاحظ ذلك جيدا ولا تغفل عنه في هكذا مورد ، لأن الكثير من أسرار الصوفية كما يدعون مما لم يفهمه الناس لم يخل من المخالفات للشريعة ، وأرادوا التستر عليها بعدم الفهم ونحو ذلك من التمويه الذي لا قيمة له لمن استشرف ما لدى الصوفية وحيلهم ، ولا يغب عنك ما ذكره الشعراني فيما تقدم من قوله : (جميع ما لم يفهمه الناس من كلامه إنما هو لعلو مراقيه) .
ولكن بعد عدم إمكان معرفة صحة العبارة المنسوبة إليه يمكننا النظر في معناها وأي شيء مقصود منها من خلال بيان عدة أمور :
الأمر الأول : إن ابن عربي لا يقصد من : (إمام العالم وسر الأنبياء) فيما لو صحة نسبتها إليه إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وكونه وصياً لسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله ؛ وذلك لأنه ذكر أن رسول الله لم ينص على أحد من بعده ، وفي مواضع متعددة أثنى على أبي بكر وعمر وعثمان ، وعلى معاوية والمتوكل وأبي هريرة ، وعلى الشافعي وأحمد بن حنبل وجميع كلامه في هذا الخصوص ذكرته تحت عنوان : (هل ابن عربي من الشيعة أم من العامة) ، وهذا مما يدلل على أنه لم يقصد من الإمامة المعنى الشيعي ، ومعرفة أمير المؤمنين عليه السلام المعرفة لدى الشيعة الاثني عشرية ؛ فلو كان يقصد الإمامة الشيعية لما أثنى على هؤلاء ، وبعبارة أخرى ثناؤه عليهم لا ينسجم مع قصده الإمامة الشيعية.
الأمر الثاني :
يقصد من العبارة الثناء والتعظيم نظير ما أثنى به على أبي بكر وعمر وعثمان والمتوكل وقال أنهم حازوا الخلافة الظاهرة والباطنة : (ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكل ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في الظاهر كأحمد بن هارون الرشيد السبتي وكأبي يزيد البسطامي وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر)([6]).
وعلى هذا لا يُتصور أنه يعتقد في أمير المؤمنين عليه السلام ما يعتقد به الفرقة الناجية وتبني عليها آمالاً شيعية غير مقصودة للمتكلم .
الأمر الثالث :
إن ابن عربي يرى أمير المؤمنين عليه السلام من أصحاب الأسرار وأقطاب الصوفية ويعده من الأفراد الذين لديهم علم الباطن حيث يقول : (الأفراد هم أصحاب العلم الباطن وهم أصحاب العلم الذي كان يقول فيه علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه حين يضرب بيده إلى صدره و يتنهد إن هاهنا لعلوماً جمة لو وجدت لها حملة فإنه كان من الأفراد و لم يسمع هذا من غيره في زمانه إلا أبي هريرة ذكر مثل هذا)([7]).
إن ابن عربي وغيره من الصوفية يحسبون من لديه أسرار التصوف ووصل إلى مقام الركن والإنسان الكامل ونحوهما من المقامات المزعومة في نظر الصوفية يكون إمام العالم وحاملاً لأسرار الأنبياء عليهم السلام فلا تذهب بك المذاهب في تفسير كلام ابن عربي في غير مبتغاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الفتوحات المكية،ج2،ص227.تحقيق : عثمان يحيى.
[2] ) اليواقيت والجواهر،ج2،ص339.
[3] ) اليواقيت والجواهر،ج1،ص23.
[4] ) اليواقيت والجواهر،ج1،ص16.
[5] ) الفتوحات المكية،ج2،ص227.
[6] ) الفتوحات المكية،ج2،ص6.
[7] ) الفتوحات المكية ج3،ص248.