س : هل يمكن نسبة الشر إلى الله ؟
س : هل يمكن نسبة الشر إلى الله ؟
ج : توجد أخبار تدل على أن الله تعالى هو الخالق للخير والشر من ضمنها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (الخير والشر حلوه ومره وصغيره وكبيره من الله)([1]).
وعنه عليه السلام : (الخير والشر كله من الله)([2]).
وعنه عليه السلام : (الخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت ، لا ملجأ منك إلا إليك)([3]).
وقد روى الشيخ الكليني في الجزء الأول من أصول الكافي ثلاثة أخبار في باب : (الخير والشر) تدل على أن الله تعالى هو الخالق للخير والشر .
وتوجد أحاديث تنفي الشر عن الله تعالى :
عن الإمام الصادق عليه السلام : (من زعم أن الله يأمر بالفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم أن الخير والشر إليه فقد كذب على الله)([4]).
وتوجد أحاديث تنفي الشر عن الله تعالى في خصوص المتعلق بأفعال العباد :
روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (من زعم أن الله يأمر بالفحشاء فقد كذب على الله ومن زعم أن الخير والشر إليه فقد كذب على الله)([5]).
وعنه عليه السلام : (العمل الصالح من العبد بفعله ، والله به أمره ، والعمل الشر من العبد بفعله ، والله عنه نهاه)([6]).
وعن الإمام الرضا عليه السلام : (قال الله : يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني ، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك)([7]).
وملخص ما تقدم من الأخبار أن بعضها ينسب الشر لله تعالى ، والبعض الآخر ينفي الشر عنه تعالى ، وطائفة من الأخبار تنفي الشر في خصوص المتعلق بأفعال العباد . ولا تعارض فيما بينها لأن الطائفة التي تنفي الشر تنفي منه بعض الأصناف أو صنفا خاصا ، وهو المتعلق بأفعال العباد ، والتي تثبت هي ناظرة إلى أنواع أو نوع خاص من الشر ، أو لنقل تثبته على نحو من الأنحاء ، فبأي وجه من الوجوه تثبت تلك الأخبار الشر وتنسبه إلى الله تعالى؟
والجواب : إن بعض الأخبار أشارت إلى أن الخير والشر بمشيئة الله ولم يكن الشر خارجا عن مشيئته الله وقدرته ؛ فتكون نسبته لله تعالى بهذا المعنى حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم أن الخير والشر بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه ومن زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله ، ومن كذب على الله أدخله الله النار)([8]).
وعن الإمام السجاد عليه السلام : (قال الله عز وجل : يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء وبقوتي أديت إلى فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا ، بصيرا ، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وذلك أني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني)([9]).
وبعض الأخبار أشارت أن الشر بخذلان الله وهو في علم الله فنسبته لله تعالى من خلال هذين المعنيين فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (الخير بتوفيق الله ، والشر بخذلان الله ، وكل سابق في علم الله)([10]).
وروي في تحف العقول : كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام أما بعد فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة والأعلام النيرة الشاهرة أو كسفينة نوح عليه السلام التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون . كتبت إليك يا أبن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة ، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم السلام ؟ فإن من علم الله علمكم وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد عليكم ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم . فأجابه الحسن عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم وصل إلي كتابك ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك ، أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه فقد كفر . ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر ، إن الله لم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يهمل العباد سدى من المملكة بل هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم)([11]).
وذكر المازندراني في شرحه لأصول الكافي لعل المراد بالشر النار وما يقود إليها من خذلان العبد : (لعل المراد بالخير والشر الجنة والنار وإجراؤهما عبارة عن الإعانة والتوفيق للمتوجه إلى الأول ، وعن سلبهما عن المتوجه إلى الثاني . وهذا التأويل قد ذكره بعض شارحي نهج البلاغة حيث قال : وكأني بك تستعلم عن كيفية التوفيق بين ما روي في دعاء التوجه إلى الصلاة « الخير في يديك والشر ليس إليك » وما روي في الدعاء « اللهم أنت خالق الخير والشر » فوجه التوفيق أن المراد بالأول أن الأفعال التي فعلها الله تعالى وأمر بها حسنة كلها وليست القبايح من أفعاله تعالى ولا من أوامره ، ومعنى الثاني أنه تعالى خالق الجنة والنار ، انتهى . أو نقول : المراد بخلق الخير والشر تقديرهما والخلق كما جاء في اللغة بمعنى الإيجاد جاء أيضاً بمعنى التقدير ، والله سبحانه هو المقدر لجميع الأشياء والمبين لحدودها ونهاياتها حتى الخير والشر ومعنى إجرائهما ما عرفت ، أو نقول : الخلق بمعنى الإيجاد مستلزم للإرادة والمشية والمراد هنا هو الإرادة على سبيل الكناية وقد صرح بعض علماء العربية بأن الكناية قد يتحقق في موضع يمتنع فيه إرادة الحقيقة . فإن قلت : فهو تعالى على هذا التأويل يريد الشر من أفعال العباد كما يريد الخير وهذا ينافي الحق الثابت عندنا من أنه يريد الخير دون الشر . قلت : لا منافاة أما أولاً فلأن إرادة الشر بالعرض من حيث إنها تابعة لإرادة الخير وذلك لأنه إذا أراد الخير بدون حتم بمعنى أنه أراد صدوره عنهم باختيارهم ولم يجبرهم عليه فقد أراد الشر بالعرض فإرادته تابعة لإرادة الخير بالمعنى المذكور والحق الثابت أنه لا يريد الشر بالذات كما يريد الخير كذلك . وأما ثانياً فلأنه أراد الخير ، صدر عنهم أو لم يصدر وأراد الشر لعلمه بصدوره عنهم على اختيارهم ، فإرادة الشر تابعة للعلم بصدوره بخلاف إرادة الخير وسيأتي في ثالث باب الاستطاعة ما يدل عليه ، والحق الثابت أنه لا يريد الشر بما هو شر ، ولا ينافي ذلك إرادته من حيث علمه بصدوره عنهم ، وسر ذلك أنه تعالى علم جميع الموجودات وأراد أن يكون علمه مطابقاً للواقع فمن أجل ذلك كأنه أراد جميعها وإن كان بعضها مراداً له بالذات وبعضها مكروهاً له بالذات).
وقد يكون المراد بالشر هو المخلوقات الضارة وما يصيب الإنسان في الدنيا ، يقول العلامة المجلسي : (الخير والشر يطلقان على الطاعة والمعصية وعلى أسبابهما ودواعيهما ، وعلى المخلوقات النافعة كالحبوب والثمار والحيوانات المأكولة والضارة كالسموم والحيات والعقارب ، وعلى النعم والبلايا ، وذهبت الأشاعرة إلى أن جميع ذلك من فعله تعالى ، والمعتزلة والإمامية خالفوهم في أفعال العباد ، وأولوا ما ورد في أنه تعالى خالق الخير والشر بالمعنيين الأخيرين… اعلم أن المراد بخلق الخير والشر في هذه الأخبار إما تقديرهما أو خلق الآلات والأسباب التي بها يتيسر فعل الخير وفعل الشر ، كما أنه سبحانه خلق الخمر وخلق في الناس القدرة على شربها ، أو كناية عن أنهما يحصلان بتوفيقه وخذلانه ، فكأنه خلقهما أو المراد بالخير والشر النعم والبلايا ، أو المراد بخلقهما خلق من يعلم أنه يكون باختياره مختارا للخير أو الشر ، ولا يخفى بعد ما سوى المعنى الثاني والثالث).مرآة العقول،ج2،ص171.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) المحاسن،ج1،ص284.
[2] ) المحاسن،ج1،ص283.
[3] ) الكافي،ج3،ص310.
[4] ) المحاسن،ج1،ص284.
[5] ) أصول الكافي،ج1،ص157.
[6] ) الاحتجاج،ج2،ص83.
[7] ) أصول الكافي،ج1،ص158.
[8] ) أصول الكافي،ج1،ص158.
[9] ) أصول الكافي،ج1،ص160.
[10] ) الاحتجاج،ج1،ص311.
[11] ) تحف العقول،ص231.