(71) هل برر الشيخ جوادي آملي ما ذكره ابن عربي في مكاشفة الرجبيين؟

(71) هل برر الشيخ جوادي آملي ما ذكره ابن عربي في مكاشفة الرجبيين؟

ج : نقل ابن عربي مكاشفة أحد الرجبيين وهو مقر ومؤيد لها وهذا نصُّ ما ذكره : (الذي رأيته قد أبقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة سائر السنة فكان يراهم خنازير فيأتي الرجل المستور الذي لا يعرف منه هذا المذهب قط وهو في نفسه مؤمن به يدين به ربه فإذا مر عليه يراه في صورة خنزير فيستدعيه ويقول له تب إلى الله فإنك شيعي رافضي فيبقى الآخر متعجبا من ذلك فإن تاب وصدق في توبته رآه إنسانا وإن قال له بلسانه تبت وهو يضمر مذهبه لا يزال يراه خنزيرا فيقول له كذبت في قولك تبت وإذا صدق يقول له صدقت فيعرف ذلك الرجل صدقه في كشفه فيرجع عن مذهبه ذلك الرافضي ولقد جرى لهذا مثل هذا مع رجلين عاقلين من أهل العدالة من الشافعية ما عرف منهما قط التشيع ولم يكونوا من بيت التشيع أداهما إليه نظرهما وكانا متمكنين من عقولهما فلم يظهرا ذلك وأصرا عليه بينهما وبين الله فكانا يعتقدان السوء في أبي بكر وعمر ويتغالون في علي فلما مرا به ودخلا عليه أمر بإخراجهما من عنده فإن الله كشف له عن بواطنهما في صورة خنازير وهي العلامة التي جعل الله له في أهل هذا المذهب وكانا قد علما من نفوسهما أن أحدا من أهل الأرض ما اطلع على حالهما وكانا شاهدين عدلين مشهورين بالسنة فقالا له في ذلك فقال أراكما خنزيرين وهي علامة بيني وبين الله فيمن كان مذهبه هذا فأضمرا التوبة في نفوسهما فقال لهما إنكما الساعة قد رجعتما عن ذلك المذهب فإني أراكما إنسانين فتعجبا من ذلك وتابا إلى الله وهؤلاء الرجبيون)([1]).

وقد حار العرفاء في مكاشفة الرجبيين وتبريرها ودفعها عن ابن عربي كما حار بنو أمية والنواصب في حديث الفئة الباغية([2]) وكيفية دفعه عن معاوية فتجد لكل واحد من صوفية الشيعة اجتهاداً وتبريراً غريباً . وخذ على سبيل المثال ما ذكره جوادي آملي بأن الرافضة كان يطلق على الكثير من الفرق ولم يكن وصفاً مختصاً بالشيعة الإمامية : (وصف الرافضة، كان يطلق على الكثير من الفرق، ولم يكن أبداً مرادفاً للفرقة الناجية والإمامية الإثنى عشرية، إضافة إلى أن وصف الشيعة أيضاً يُطلق على عدة طوائف …. ولم يكن هذا الوصف الشيعة مرادفاً منحصراً بـ) الاثني عشرية، وهي وحدها الفرقة الناجية)([3]).  

ومما يرد ما ذكره من تبرير هو أن الواقع يكذبه حيث لا توجد فرقة تسمى بالرافضة غير الشيعة الإمامية ولو كانت توجد مثل هذه الفرق أو فرقة تسمى بالرافضة لرأينا لها ذكرا وأثرا في كتب الملل والنحل وكتب السير والتواريخ.

وعلى فرض وجود فرقة غير الإمامية تسمى بالرافضة من أين علم جوادي أنه يقصد تلك الفرقة ولا يقصد الإمامية ؟! وإذا كان ابن عربي يقصد تلك الفرقة لا بد من ذكر قرينة تدل عليها لأن الشائع في الكتب وما عليه الاستعمال والمتبادر من الرافضة هم الشيعة الإمامية ، وكان منذ زمن الأئمة عليهم السلام عُرفت الشيعة الإمامية بالرافضة كما روى البرقي في المحاسن : (عن أبي الجارود قال : أصم الله أذنيه كما أعمى عينيه ان لم يكن سمع أبا جعفر عليه السلام يقول : إن فلانا سمانا باسم ، قال : وما ذاك الاسم ؟  قال : سمانا الرافضة ، فقال أبو جعفر عليه السلام بيده إلى صدره : وأنا من الرافضة وهو منى قالها ثلاثا)([4]).

وعن عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولادة دماءنا وأموالنا وعذابنا ، قال : وما هو ؟ قال : الرافضة ، فقال أبو جعفر عليه السلام : إن سبعين رجلا من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى عليه السلام فلم يكن في قوم موسى عليه السلام أحد أشد اجتهادا ولا أشد حبا لهارون منهم فسماهم قوم موسى الرافضة ، فأوحى الله إلى موسى : أن ثبت لهم هذا الاسم في التوراة فانى قد نحلتهم وذلك اسم قد نحلكموه الله([5]).

وعن علي بن أسباط ، عن عيينة بياع القصب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : والله لنعم الاسم الذي منحكم الله ما دمتم تأخذون بقولنا ولا تكذبون علينا قال : وقال لي أبو عبد الله عليه السلام هذا القول إني كنت خبرته أن رجلا قال لي : إياك أن تكون رافضياً[6].

 فلو لم يقصد ابن عربي الشيعة الإمامية كما ادعى جوادي لذكر ابن عربي قرينة على مراده بيَّن من خلالها مراده من الرافضة وأي رافضة هذه غير المعروفة يقصدها؟!

ولم يكن ابن عربي أول الصوفية الذين طعنوا في الرافضة وإنما سبقه أبو حامد الغزالي الذي جوز لعن الروافض كتجويزه لعن اليهود والمجوس والخوارج ومنع لعن يزيد كما ذكر السيد الخوئي ذلك متعجباً : (ولا ينقضي العجب من الغزالي حيث جوز لعن الروافض كتجويزه لعن اليهود والمجوس والخوارج ، ومنع عن لعن يزيد)([7]).

وكل من تتبع لكتب الصوفية يجد فيها العجب الذي لا ينقضي ممزوجاً بالحمق وإن كان بأسلوب أدبي أو ظاهره برهان عقلي.

وقد تأثر بابن عربي الصوفية الذين جاءوا بعده كما تأثر بالغزالي الصوفية الذين جاءوا بعده ، وكان من أبرز المتأثرين بالغزالي ابن عربي ولشدة تأثره به قلما تجد كتاباً من كتبه لم يذكر فيه أبا حامد ومؤلفاته وآراءه ، ومن اهتمامه واعتنائه بمؤلفاته لديه شرح على  كتابه : (المقصد الأسنى شرح أسماء اللّه الحسنى) شرح شطراً منه ، وجاء في مطلع شرحه الذي يتضمن الثناء على الغزالي ومُصَنّفه : (هذه الرسالة فيها ألفاظ على مصطلح الصوفية ، موهمة لغيرهم ، يصعب تأويلها إلا على عارف منهم.ولأن لكل قوم من ذوي العلم اصطلاحات خاصة بهم ، ولأني لم أتشرف بنهج منهجهم الوعر على أمثالي ، ولأنه لا يصح الكلام إلا بذوق وحال ، فقد رأيت إيراد بعض نصوص لها خطر من كلامهم ، تعين على فهم المراد حتى يحسن الاعتقاد فيهم ، ويقام : لهم العذر ، أو يسلم لهم حالهم إلي [لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ]([8]) وقد أطلت في إيراد النصوص كاملة لأنها مشردة في الكتب ، وبدأت بكلمة حجة الإسلام الغزالي في كتاب : (المقصد الأسنى شرح أسماء اللّه الحسنى) فإنها ، وإن كانت وافية بالمرام ــ حتى لقد أحال عليها في كتابه (المنقذ من الضلال)([9]) ــ إلا أن ما يأتي بعدها كزيادة شرح وإيضاح لها ، وبه فوائد لم تذكر فيها)([10]).

ومن اهتمامه بكتاب (إحياء علوم الدين) للغزالي يقول ابن عربي : (محمد بن خالد الصدفي التلمساني وهو الذي كان يقرأ علينا كتاب الأحياء لأبي حامد الغزالي)([11]).

وكيف لا يذكر مؤلفاته ويجعلها محل إكباره ، وهو يعده من رؤساء التصوف وساداتهم إذ يقول فيه : (هو من رؤساء هذه الطريقة وساداتهم)([12]).

 ومن ثنائه عليه أيضا قوله : (الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه)([13]).

ومن ثنائه الكبير عليه : (بشأن الشريعة أعلم ، ولأعاجيبها أحفظ ، وفيما أشكل فيها أفقه)([14]).

وإذا كان ابن عربي من المتأثرين بالغزالي فلا يستكثر عليه لعن الروافض ولا يحتاج الأمر إلى تبرير واختلاق أساطير لا واقع لها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) الفتوحات المكية،ج2،ص8.

[2] ) من الأخبار المعروفة في كتب الخاصة والعامة ، روى الشيخ الصدوق في معاني الأخبار عن الإمام الصادق عليه السلام : (لما قتل عمار بن ياسر – رحمه الله – فارتعدت فرائص خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : عمار تقتله الفئة الباغية . فدخل عمرو على معاوية (لعنه الله) وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا . قال : لماذا ؟ قال : قتل عمار . فقال معاوية (لعنه الله) : قتل عمار فماذا ؟ قال : أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (عمار) تقتله الفئة الباغية ؟ فقال له معاوية (لعنه الله) : دحضت في قولك ، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا ! فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : إذا رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين !)معاني الأخبار،ص35.

[3] ) نداء التوحيد ص97.

[4] ) المحاسن،1،ص157.

[5] ) المحاسن،ج1،ص157.

[6] ) المحاسن،ج1،ص157.

[7] ) مصباح الفقاهة،ج،35،ص429.يقول الغزالي وهو بصدد بيان الصفات المجوزة للعن : (اللعن بأوصاف أخص منه ، كقولك لعنة الله على اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، وعلى القدرية ، والخوارج ، والروافض).إحياء علوم الدين،ج9،ص17.ويقول في عدم جواز لعن يزيد : (فإن قيل : هل يجوز لعن يزيد ، لأنه قاتل الحسين أو آمر به ، قلنا : هذا لم يثبت أصلا ، فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت ، فضلا عن اللعنة ، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق).إحياء علوم الدين،ج9،ص19.

[8] ) سورة الأحزاب : 8 .

[9] ) أي أن الغزالي في كتابه : (المنقذ من الضلال) أشار وأرجع إلى كتابه : (المقصد الأسنى شرح أسماء اللّه الحسنى) .

[10] ) مجموعة رسائل ابن عربي،ج2،ص339.

[11] ) الفتوحات المكية،ج4،ص552.

[12] ) مجموعة رسائل ابن عربي،ج3،ص309.

[13] ) مجموعة رسائل ابن عربي،ج3،ص314.

[14] ) محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار،ج2،ص١٢٨.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.