(74) هل كفَّر العلماء ملا صدرا ؟
(74) هل كفَّر العلماء ملا صدرا ؟
ج : من المناسب الاكتفاء بما ذكره العلماء في ملا صدرا وفيما نعتوه به : يقول الشيخ يوسف البحراني صاحب (الحدائق الناظرة) والميرزا عبد الله الأفندي صاحب (رياض العلماء) في نعت إبراهيم بالحي المُخرج من الميت حيث قالا في ترجمة إبراهيم بن صدرا : (الميرزا إبراهيم بن المولى صدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي كان فاضلاً عالماً متكلماً فقيهاً جليلاً نبيلاً متديناً جامعاً لأكثر العلوم ماهراً في أكثر الفنون سيما في العقليات والرياضيات، وهو في الحقيقة مصداق قوله : [يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ]([1]) قد قرأ على جماعة منهم والده ولم يسلك مسلكه وكان على ضد طريقة والده في التصوف والحكمة)([2]).
وهذا النعت يُعدُ من أقذع ما قيل في تقريع الملا ، ولذا يقول الشيخ المظفر عن الملا : (من أمض التشنيعات عليه في نظري أن يقال : في صدد الثناء على ولده ميرزا إبراهيم : (وهو في الحقيقة مصداق يخرج الحي من الميت) وعلل ذلك بأنه : كان على ضد طريقة والده في التصوف والحكمة بينما أن الوالد هذا لا يرى في غير الحكمة والعرفان حياة للنفس الإنسانية)([3]).
والسيد علي البروجردي (ت:1313هـ) له قدح في ملا صدرا مشابه لهذا الوصف حيث قال عند ترجمته : (محمد بن إبراهيم صدر الدين المعروف بـ ملا صدرا كان حكيماً فلسفياً صوفياً بحتاً ، توفى بالبصرة وهو متوجه إلى الحج في سنة خمسين بعد الألف ، وله كتب منها الأسفار الأربعة والعرشية وغيرهما ، وابنه أماته وأحيى مذهب الحق)([4]).
وقد ذكر محمد بن سليمان التنكابني أن تكفير العلماء له جارٍ على ألسنة العلماء : (تكفيره جارٍ على ألسنة العلماء الأعلام من قديم الأيام)([5]).
ويقول الشيخ المظفر كثر التشنيع عليه عند الرجال الدين ـــ وبكل تأكيد في مقدمة رجال الدين هم طبقة العلماء ـــ : (كثر التشنيع على هذا الرجل بعد وفاته عند رجال الدين حتى كان اسمه ومؤلفاته مثار السخط والاشمئزاز . ويكفي أن نعرف أن الشيخ احمد الأحسائي المتوفى سنة 1243 كفره الناس لميله إلى بعض آراء المترجم … بل صاحبنا قد لاقى من العنت في زمانه ما دفعه إلى إعلان تذمره من أهله والسخط عليهم في عدة تصريحات ثائرة عنيفة في أكثر كتبه ، لاسيما في مقدماتها . بل ألجأه ذلك إلى أن يهرب بنفسه فينزوي في بعض النواحي البعيدة)([6]).
وقيل كل من له في ابن عربي حسن اعتقاد ويعتقد بآرائه فإن الفقهاء لا بد أن يعدوه كافراً كما نقل الشيخ المظفر متحدثاً عن الملا : (يكثر من النقل عن محيي الدين بن عربي المتوفى (638هـ) في جميع كتبه ولا يذكره إلا بالتقديس والتعظيم كالتعبير عنه بالحكيم العارف والشيخ الجليل المحقق ونحو ذلك بل في بعض المواضع ما يشعر بأن قوله عنده من النصوص الدينية التي يجب التصديق بها ولا يحتمل فيها الخطأ هذا رأيه فيه بينما إن ابن عربي هذا سماه بعض الفقهاء بمميت الدين أو ماحي الدين بل قيل : إن كل من يرى في ابن عربي حسن اعتقاد ويعتقد بآرائه فان الفقهاء لا بد أن يعدوه كافراً)([7]).
ويرى الشيخ المظفر أنه لا لوم على الفقهاء إذا كان الملا موضع تهمة لديهم : (ولا لوم على الفقهاء ولا على غيرهم إذا كان عندهم موضع التهمة والتجريح وفي الحقيقة لم يقسوا عليه كما قسا هو عليهم)([8]).
وبعض العلماء وصفوا شرحه لأصول الكافي بأنه شرح بالكفر كما نقل الخوانساري : (أوجب ذلك سوء ظن جماعة من الفقهاء الأعلام به وبكتبه بل فتوى طائفة بكفره فمنهم من ذكر في وصف شرحه على الأصول : شروح الكافي كثيرة جليلة قدراً ، وأول من شرحه بالكفر صدرا هذا([9]).
والخوانساري بعد أن ذكر كتب ملا صدرا قال : (يوجد في غير واحد من مصنفاته المذكورة كلمات لا يلائم ظواهر الشريعة)([10]).
وملا صدرا يتحدث عن نفسه في ذم العلماء له : (وظني أن هذه المزية إنما حصلت لهذا العبد المرحوم من أمة المرحومة عن الواهب العظيم والجواد الرحيم لشدة اشتغاله بهذا المطلب العالي وكثرة احتماله عن الجهلة والأرذال وقلة شفقة الناس في حقه وعدم التفاتهم إلى جانبه حتى أنه كان في الدنيا مدة مديدة كئيباً حزيناً ما كان له عند الناس رتبة أدنى من آحاد طلبة العلم ولا عند علمائهم الذين أكثرهم أشقى من الجهال قدر أقل من تلاميذهم)([11]).
وبسبب محاربة الناس له ـــ والذي هو بسبب ما شاع عن العلماء في انتقاد الملا ـــ اعتزل الناس كما ذكر الشيخ المظفر : (كان مُضايقاً من الناس الذين أشرقوه بريقه جزعاً ، على ما صرح به في عدة مناسبات في كتبه ، ويشير بها إلى هذه المرحلة الأولى بالذات . فالتجأ إلى أن يفر بنفسه)([12]).
والشيخ المظفر نعت الملا بالمرض النفسي : (أكبر الظن أن فيلسوفنا كان مصاباً بكبت عنيف نتيجة لحرمان قاس…ولعل ذلك الكبت قد رافقه منذ الصغر وهذا الذي حدد له اتجاهه الفلسفي وطريقته العرفانية الصوفية.وإن كان قد يعتقد هو أن تفكيره وعقله الواعي هو الذي ساقه إلى اختيار هذا السبيل)([13]).
ومن الأمور الجديرة بالذكر هو أن الشيخ المظفر صنف كتاباً في انتقاد صدرا ، وله مؤاخذات مهمة عليه عنونه بـ : (أحلام اليقظة) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) سورة الأنعام : 95 .
[2] ) كشكول البحراني،ج1،ص233.رياض العلماء،ج1،ص58.
[3] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص28 .
[4] ) طرائف المقال،ج1،ص80.
[5] ) قصص العلماء،ص74.
[6] ) المقدمة الكاملة،ص27.
[7] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص37.
[8] ) المقدمة الكاملة للأسفار،ص44.
[9] ) روضات الجنات،ج4،ص121.
[10] ) روضات الجنات،ج4،ص121.
[11] ) المبدأ والمعاد،ص496.
[12] ) المقدمة الكاملة للأسفار ص12.
[13] ) المقدمة الكاملة للأسفارص45