(6) هل السيد محمد باقر الصدر من أصحاب الاتجاه الفلسفي؟
(6) هل السيد محمد باقر الصدر من أصحاب الاتجاه الفلسفي؟
ج : إن السيد محمد باقر الصدر لا يُعد من أصحاب الاتجاه الفلسفي ، ومن التوهم عده من ضمن هذا الاتجاه إذ لا هو لديه شرح أو تعليق على أحد الكتب الفلسفية ، ولا هو من المدرسين لأحد الكتب فيها . وعلى ما يبدو أن منشأ التوهم حصل بسبب بعض كتبه لاسيما : (فلسفتنا) مع أن الكتاب يتحدث عن نظرية المعرفة وهو عبارة عن أمور عقلية ووجدانية كما تم الكلام في ذلك.
ومضافاً لانعدام أثره في الفلسفة شرحاً وتدريساً توجد له ثلاثة مواقف مناهضة للفلسفة بحسب ما عثرت عليه :
الموقف الأول : نقل السيد علي أكبر الحائري ــ وهو أحد طلبته ــ أن السيد الصدر تبنى بعض آراء ملا صدرا إلا أنه عدل بعد ذلك وقال أني سوف أجيب على نظريات ملا صدرا . ولكن لم يمهله حزب البعث لمواصلة ذلك([1]).
الموقف الثاني :
يقول الشيخ علي الكوراني : قلت يوما لأستاذنا السيد الصدر : اشتغلت بالفلسفة كثيراً وألفت كتاب فلسفتنا ، وكتاب الأسس المنطقية للاستقراء ، فماذا استفدت منها ؟
فأجاب : الإنسان عندما يعشق الفلسفة ويبدأ بدراستها ، يتصور أنها ستحل كل مشكلاته الفكرية ، ثم يتقدم فيها فيرى أنها لا تحل شيئا منها !
قلت له : وأحاديث أهل البيت عليهم السلام هل تحل المشكلات الفكرية للطالب ؟ فتأمل وقال : نعم تحلها ، وهي التي تحلها([2]).
الموقف الثالث :
يقول كمال الحيدري : السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه في الأسس المنطقية رفع يده عن جملة من مباني الحكمة المتعالية([3]).
ومن ردود السيد محمد باقر الصدر على أحد المباني الفلسفية ما نقل تلميذه السيد كاظم الحائري قائلاً : (ما أفاده أستاذنا الشهيد الصدر في المقام رداً على مبنى فلسفي معروف([4]) . ذلك أن الفلاسفة ذكروا : إن نسبة شيء إلى شيء ــ بعد فرض إخراج الامتناع من المقسم ــ إما هي الوجوب أو الإمكان ، فنسبة الشيء إلى قابله هي الإمكان وإلى فاعله هي الوجوب ، وقد قالوا بذلك في تمام عوالم الإمكان ، بلا فرق بين الأفعال الاختيارية وغيرها ، فحركة يد المشلول وتحريك اليد اختيارا سيان في هذا الأمر ، ومن هنا جاءت شبهة الجبر. ولكن الواقع : أن تخيل انحصار النسبة في الوجوب والإمكان غير صحيح ، وأن نسبة الفعل الاختياري إلى فاعله نسبة ثالثة ، هي : بالتعبير الاسمي : نسبة (السلطنة) وبالتعبير الحرفي : نسبة (له أن يفعل وله أن لا يفعل) والقاعدة العقلية المعروفة القائلة : (إن الشيء ما لم يجب لم يوجد ) ليست ــ بدقيق معنى الكلمة ــ صادقة ، وإنما الصحيح لو أردنا أن نعبر بتعبير دقيق هو : أن الشيء لا يوجد إلا بالوجوب أو السلطنة ، فموضوعها هو الجامع بين الوجوب والسلطنة لا نفس الوجوب فحسب . نعم ، بما أن السلطنة غير موجودة في العلل التكوينية فوجود معلولاتها لا يكون إلا بالوجوب . وما ادعيناه من وجود نسبة أخرى إلى صف نسبة الوجوب والإمكان يكون ــ بحسب عالم التصور ــ بديهيا كبداهة الوجوب والإمكان ، والوجود والعدم ، فلا غبار ــ بحسب عالم التصور ــ على وجود نسبة ثالثة في قبال نسبة الوجوب والإمكان ، فهذه غير الوجوب وغير الإمكان .أما أنها غير الوجوب فللتضاد الواضح بين عنوان (له أن يفعل) وعنوان (لا بد له أن يفعل) . وأما أنها غير الإمكان فلأن الإمكان عبارة عن القابلية ، وهي : التأهل للقبول ، وهذا مفهوم لا يتصور إلا بين الشيء وقابله دون الشيء وفاعله بخلاف مفهوم (له)([5]).
وقد حاول أصحاب الاتجاه الفلسفي إحازة السيد الصدر إلى توجههم الفلسفي وهو بريء من ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) مقالات وردود للشيخ ماجد الكاظمي،ص243.
[2] ) تجربتي إلى طالب العلم للشيخ الكوراني،ص115.
[3] ) بحث تعارض الأدلة : (224) مثبت على موقعه.
[4] ) البرهان الفلسفي للجبر مؤتلف من مقدمتين : الأولى : أن الاختيار ينافي الضرورة ، فإن الضرورة تساوق الاضطرار المقابل للاختيار ، من قبيل حركة يد المرتعش التي هي ضرورية والثانية : أن صدور الفعل من الإنسان يكون بالضرورة ؛ لأن الفعل الصادر منه ممكن من الممكنات ، فتسوده القوانين السائدة على عالم الإمكان والتي منها أن الممكن ما لم يجب بالغير لم يوجد ، فبالجمع بين هاتين المقدمتين يثبت أن الإنسان غير مختار في أفعاله ؛ إذ لا يصدر عنه فعل إلا بالضرورة والضرورة تنافي الاختيار.تزكية النفس.ص51.
[5] ) تزكية النفس،ص51 ـ52 . وأصل الكلام وتفصيله هو مأخوذ من بحثه الأصولي.انظر مباحث الأصول للسيد الحائري،ج2،ص73 إلى ص85.