النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير (11) التفويض (القسم الثاني)

 

النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير (11) التفويض (القسم الثاني):

التفويض ما بين الإمكان والوقوع

إن القول بتفويض الخلق والرزق من الله إلى الأئمة تارة يكون على نحو الفرض والإمكان وأخرى يكون على نحو الوقوع والتحقق ؛ فلو أن الله تعالى فوض أمر الخلق والرزق للأئمة عليهم السلام مثل تفويض بعض الأمور للملائكة : [فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا] وهذا لو كان واقعا فعلا أي تفويض الخلق والرزق للأئمة من قبل الله لم يكن من الغلو لأن الله تعالى بقدرته فوض إليهم ذلك إلا أن هذا لا دليل عليه وبما أنه لم يكن ولا دليل عليه بل إن الأحاديث دالة على نفيه يكون القول به من الغلو فلا بد من التفريق بين أمرين :

الأول : حدوث التفويض في الواقع بقدرة الله عز وجل وعلى فرض وقوعه لم يعد من الغلو إلا أنه لا دليل على وقوعه.

ثانيهما : إن الله تعالى لم يفوض الخلق والرزق للأئمة كما دلت عليه الأخبار وحينها القول به يكون من الغلو.

ولو حصل حدوث الخلق والإماتة والإحياء من قِبل الأنبياء الأئمة عليهم السلام في بعض الأحيان فهو على نحو الإعجاز بإرادة الله عز وجل كما حدث للنبي عيسى عليه السلام فهي حالات استثناء إذ النبي عيسى حصل منه الخلق والإحياء ومع ذلك لم يُنسب له الخلق والرزق إلا استثناءً على نحو الإعجاز ، وكذلك لو حصل للأئمة في بعض الأحيان لم يُنسب إليهم الخلق والرزق إلا استثناءً أو على نحو من إنحاء الإسناد بإذن الله : [إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ].

يقول السيد الخوئي إن إسناد فعل من أفعال الله إلى العاملين له وجه صحيح من وجوه الإسناد : (إسناد الموت إلى ملك الموت والمطر إلى ملك المطر والإحياء إلى عيسى عليه السلام كما ورد في الكتاب العزيز : [وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ] وغيرها مما هو من إسناد فعل من أفعال الله سبحانه إلى العاملين له بضرب من الإسناد . ومثل هذا الاعتقاد غير مستتبع للكفر ولا هو إنكار للضروري … والغلو بهذا المعنى الأخير مما لا محذور فيه بل لا مناص عن الالتزام به في الجملة).التنقيح،ج3،ص69.

وهذه من الأمور التي يحصل فيها الاشتباه كثيرا إذ الكلام في إمكان التفويض وقدرة الله عز وجل على ذلك شيء ، والكلام عن وقوعه فعلا شيء آخر فلا بد من التفريق بين الأمرين : أمر الإمكان والحدوث في الواقع.

 وقد يُقال أن التفويض المنفي في الأحاديث هو الاستقلال في إيجاد الخلق والرزق أما التفويض في الإيجاد بإرادة الله غير منفي نظير علم الغيب المنفي في الأحاديث إذ المنفي هو الاطلاع على الغيب من غير الله ، أما علم الغيب بتعليم الله فهو غير منفي .

والجواب : إن الاطلاع على علم الغيب بتعليم الله تعالى يوجد ما يدل عليه في القرآن والحديث أما التفويض فمع عدم وجود ما يدل عليه ويثبته يوجد ما ينفيه فلا يمكن المقارنة بين علم الغيب باطلاع الله عز وجل عليه وبين التفويض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.