النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(13) التفويض (القسم الرابع)

النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(13) التفويض (القسم الرابع)

تفويض التشريع
إن من المعاني الباطلة للتفويض هو القول بأن الله عز وجل أوكل أمر التشريع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله . ولكن هل يمكن القول بأن الله عز وجل بعد أن أكمل رسوله صلى الله عليه وآله أوكل إليه أمر تشريع بعض الأحكام ثم أمضاها الله عز وجل ، أو أن الله عز وجل أقرها لأنها موافقة لإرادته ؟ وقع كلام وخلاف بين العلماء تبعا لاستظهار النصوص ومدى اعتبارها فذهب بعضهم إلى القول بتشريع رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الصورة وذهب بعضهم إلى خلافه . وأيضا وقع الكلام في تشريع الأئمة عليهم السلام لبعض الأحكام ــ على هذا النحو لا على نحو الصورة الأولى([1])ــ والعلامة المجلسي ممن ذهب إلى إمكان التفويض في التشريع على نحو الصورة الثانية حيث يقول : (التفويض في أمر الدين ، وهذا أيضا يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون الله تعالى فوض إلى النبي والأئمة عليهم السلام عموما أن يحلوا ما شاؤوا ويحرموا ما شاؤوا من غير وحي وإلهام أو يغيروا ما أوحى إليهم بآرائهم وهذا باطل لا يقول به عاقل ، فإن النبي صلى الله عليه وآله كان ينتظر الوحي أياما كثيرة لجواب سائل ولا يجيبه من عنده ، وقد قال تعالى : [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى][إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى]([2]).وثانيهما : أنه تعالى لما أكمل نبيه صلى الله عليه وآله بحيث لم يكن يختار من الأمور شيئا إلا ما يوافق الحق والصواب ولا يحل بباله ما يخالف مشيته تعالى في كل باب فوض إليه تعيين بعض الأمور كالزيادة في الصلاة وتعيين النوافل في الصلاة والصوم وطعمة الجد([3])وغير ذلك مما مضى وسيأتي إظهارا لشرفه وكرامته عنده ، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحي ، ولم يكن الاختيار إلا بإلهام ، ثم كان يؤكد ما اختاره صلى الله عليه وآله بالوحي ، ولا فساد في ذلك عقلا وقد دلت النصوص المستفيضة عليه مما تقدم في هذا الباب وفي أبواب فضائل نبينا صلى الله عليه وآله من المجلد السادس)([4]).
والتفويض بهذا المعنى الأخير تدل عليه جملة من النصوص الدينية التي يدل بعضها على وقوعه وبعضا منها على أمثلته وتطبيقاته.وقد عقد الشيخ الكليني رحمه الله في الجزء الأول من أصول الكافي بابا عنونه : (التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله والى الأئمة) ذكر فيه عدة أخبار يدلل من خلالها على التفويض للرسول والأئمة عليهم السلام في تشريع بعض الأحكام يمكن مراجعتها هناك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الصورة الأولى : (أُوكل أمر التشريع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله).
[2] ) سورة النجم:3ـ4.
[3] ) في حال كون الأب والأم وارثين يستحب إطعام الجد سدس المال.
[4] ) بحار الأنوار،ج25،ص348.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.