النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير (39)

النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير (39)

برص أنس وعمى البراء ورجوع جرير أعرابيا بعد هجرته بسبب جحود حديث الغدير

إن الغلو يستوجب العذاب الأليم في الآخرة ولعنة الأئمة عليهم السلام والخذلان في الدنيا ؛ فكما أن الغلو يستوحب العذاب في الآخرة والخذلان وسوء التوفيق في الدنيا كذلك جحود مناقب أهل البيت عليهم السلام سواء كان بعمد أو جحودا بغير دليل وبرهان ؛ لأن الإنكار من غير دليل من مراتب الجحود .

روى الشيخ المفيد عن إسماعيل بن عمرو قال : حدثنا مسعر بن كدام قال : حدثنا طلحة بن عميرة قال : نشد علي عليه السلام الناس في قول النبي صلى الله عليه وآله : (من كنت مولاه فعلي مولاه) فشهد اثنا عشر رجلا من الأنصار ، وأنس بن مالك في القوم لم يشهد ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام :  يا أنس  قال : لبيك ، قال : ما يمنعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا ؟  فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض – أو بوضح – لا تواريه العمامة قال طلحة بن عميرة : فأشهد بالله لقد رأيتها بيضاء بين عينيه([1]).

وروى قطب الدين الراوندي (ت:573هـ) : (قال عليه السلام لأنس بن مالك وقد كان بعثه إلى طلحة والزبير لما جاء إلى البصرة يذكرهما شيئا سمعه من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في معناهما فلوى عن ذلك فرجع إليه عليه السلام ، فقال : إني أنسيت ذلك الأمر ، فقال عليه السلام : إن كنت كاذبا فضربك اللَّه بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة . يعنى : البرص فأصاب أنسا هذا الداء فيما بعد في وجهه ، فكان لا يرى إلا متبرقعا)([2]).

ومن مصادر العامة فقد روى ابن قتيبة الدينوري (ت:276هـ) : (أنس بن مالك كان بوجهه برص . وذكر قوم ، أن عليا  سأله عن قول رسول الله : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ؟ فقال : كبرت سنّي ونسيت . فقال له علي : إن كنت كاذبا فضربك الله ، ببيضاء لا تواريها العمامة)([3]).

وروى البلاذري (ت:279هـ) : (قال علي على المنبر : نشدت الله رجلا سمع رسول الله يقول يوم غدير خم : (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) إلا قام فشهد ـــ وتحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب ، وجرير بن عبد الله ـــ فأعادها فلم يجبه أحد منهم فقال : اللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها . قال أبو وائل : فبرص أنس ، وعمي البراء ، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته ، فأتى السراة فمات في بيت أمه بالسراة)([4]).

ولكن أحمد بن حنبل في مسنده روى الخبر إلا أنه ما ذكر أسماء الثلاثة فقد روى : (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه شهد عليا رضي الله عنه في الرحبة قال أنشد الله رجلا سمع رسول الله ص وشهده يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من قد رآه فقام اثنا عشر رجلا فقالوا قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته)([5]).

وروى ابن أبي الحديد المعتزلي (ت:656هـ) : (ناشد علي عليه السلام الناس في رحبة القصر – أو قال رحبة الجامع بالكوفة – : أيكم سمع رسول الله يقول : (من كنت مولاه فعلى مولاه) ؟ فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها ، وأنس بن مالك في القوم لم يقم ، فقال له : يا أنس ، ما يمنعك أن تقوم فتشهد ، ولقد حضرتها ! فقال : يا أمير المؤمنين ، كبرت ونسيت ، فقال : اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة قال طلحة بن عمير : فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه)([6]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) الإرشاد،ج1،ص351.

[2] ) شرح نهج البلاغة،ج3،ص382.

[3] ) المعارف،ص580.

[4] ) أنساب الأشراف،ج2،ص156.

[5] ) مسند أحمد،ج1،ص119.

[6] ) شرح نهج البلاغة،ج4،ص74.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.