الروزخون صنف خاص من الخطباء

 

الروزخون صنف خاص من الخطباء

إن بعض الخطباء لم يكونوا من الدارسين للعلوم الدينية ، وإنما حفظوا بعض ما يتعلق بمصيبة سيد الشهداء عليه السلام من أبيات الرثاء ووقائع الفاجعة ونحوها فامتهنوا الخطابة بتلك المعلومات التي حفظوها لتعذر الدراسة عليهم لسبب وآخر ، أو لأنهم يرون الخطابة لا تتطلب أكثر من ذلك ، وهذا مما دفع بعض الكسبة ارتقاء المنبر في المناسبات الدينية للثواب وشرف الخدمة الحسينية . ولكن هذا بالرغم من الجوانب الحسنة فيه إلا أنه لا يخلو من بعض المساوئ ، لأن الخطباء إذا لم يكونوا على مستوى من العلم والاطلاع يضعوا أنفسهم بمعرض الانتقاص من قِبل عامة الناس وحتى طلبة العلم ولهذا كان بعض طلبة العلوم الدينية يسمي هذا الصنف من الخطباء بالروزخون انتقاصا وانتقادا لهم ، يقول الشيخ الوائلي في معرض حديثه عن انتقاص رجال الدين للخطباء غير الدارسين : (رجال الدين في تلك الأيام وقبل أن يتثقف الخطباء وينخرطوا في سلك طلبة العلم من حيث الدراسات الفقهية والأصولية والعقائدية كانوا لا يحترمون مثل هؤلاء لأنهم يرونهم جهالا كما أن هناك شرائح من الذين امتهنوا الخطابة لم يكونوا بالمستوى المطلوب من حيث السمت والوقار والالتزام بالآداب الشرعية مما حمل رجال الدين على عدم احترام هذه المهنة وكانوا يعبرون عن الخطيب بنبرة امتهانية بأنه ـ روزخون ـ وحتى سمعت بعضهم يعبر عن بعض الخطباء بأنه روزخون أجلكم الله.وطبعا هؤلاء ليسوا من الملائية من الوزن المحترم ممن تمنعه آدابه ودينه وأخلاقه من مثل هذا ، ولكن نوعا ما كان هؤلاء بتعاملهم مع الخطباء يتعاملون من موقع متعال)([1]).

والروزخون بمعنى الروضة خوان ، كلمة فارسية يراد بها قارئ التعزية في مصائب أهل البيت عليهم ، والكلمة مأخوذة من كتاب (روضة الشهداء) المكتوب باللغة الفارسية ، والذي اعتاد قراء مصيبة سيد الشهداء عليه السلام في فترة نشوء مفردة : (روزخون) على الاعتماد عليه والأخذ منه.

يقول الشيخ أغا بزرك الطهراني : (روضة الشهداء فارسي ملمع للمولى الواعظ الحسين بن علي الكاشفى البيهقى المتوفى حدود 910 هـ مرتب على عشرة أبواب وخاتمة ذكر فيها أولاد السبطين وجملة من السادات، وكتبت الخاتمة مستقلة في 17 ورقة في (الرضوية) ذكرتها بعنوان (أنساب سبطي النبي صلى الله عليه وآله). واحتمل البعض أنه أول مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس، حتى عُرف قارئه بـ (روضة خوان) ـــ أي بمعنى من يقرأ الروضة ـــ ثم توسع هذا العنوان في هذا الزمان حتى يشمل كل قارئ على الإمام الحسين عليه السلام لكن يأتي (مقتل الشهيد) الفارسي المقدم على (روضة الشهداء) وكذا (مقتل الشهداء) الذي نقل عنه في (روضة الشهداء) مراراً، وذكر أنه تأليف أبي المفاخر الرازي وذكر بعض شعره)([2]).

ووقع كلام في تشيع الكاشفي فذهب بعضهم إلى تشيعه وجزم البعض بكونه من العامة ، كما تدل مصنفاته على كونه من العامة ، وقد ذكر الميرزا عبد الله الأفندي (ت:1130هـ) في رياض العلماء إن تفسيره على طريقة المخالفين ، والعجيب من صاحب الرياض أن قال بتشيعه بالرغم من كون تفسيره على طريقة المخالفين حيث يقول عن الكاشفي : (له مؤلفات عديدة : منها تفسيره الكبير الفارسي المسمى بجواهر التفسير المشهور بتحفة الأمير ألفه للأمير علي شير الوزير المعروف، ومنها تفسيره الوسيط المسمى بالمواهب العلية ملخص من الأول بالفارسية أيضا ألفه باسم الأمير علي شير الوزير أيضا على طريقة أهل السنة والجماعة ، وقد فرغ منه سنة تسع وتسعمائة، وقد أدرج في تفاسيره بل في غيرها أيضا مسالك الصوفية ومذاهب أهل السنة أيضا ، ولذلك يظن التسنن في شأنه ولكن تشيعه عندي واضح)([3]).

 وكان من الصوفية كما يظهر من مصنفاته([4]) ، وقد عده صاحب الرياض من الصوفية حيث يقول فيه : (المولى كمال الدين حسين الواعظ الكاشفي السبزواري ثم الهروي البيهقي المعروف بالمولى حسين الكاشفي وتارة يعرف بالبيهقي الكاشفي، الصوفي الشاعر الأديب المنشئ الفاضل العالم الفقيه المحدث المفسر المنجم الجامع لأكثر العلوم حتى لعلوم السحر والأعداد والنجوم وعلم أسرار الحروف والجفر وغير ذلك)([5]).

وأما كتابه : (روضة الشهداء) فبعض رواياته لم تُعرف مصادرها ولربما أعتمد فيها على ما هو الشائع على الألسن من غير تتبع للمصادر ، يقول صاحب الرياض : (كتاب روضة الشهداء بالفارسية في أحوال شهادة الرسول والأئمة و فاطمة عليهم السلام سيما في أحوال شهادة الحسين عليه السلام وهو كتاب متداول معروف بين الناس و يظهر منه تشيعه أيضا، وكان تاريخ تأليف روضة الشهداء له سنة سبع و أربعين و ثمانمائة كما يظهر من طي مطاويه، ويظهر من هذا الكتاب تشيعه مع مراعاة جانب التقية في الجملة، وأورد في خاتمته أحوال باقي الأئمة الاثني عشر أيضا ، وقد ألفه باسم مرشد الدين عبد اللّه المشتهر بسيد ميرزا، وهو من أبناء ملك ذلك العصر و لكن غير ميرزا الغ وغن كان في عصره وعصر أبيه علي شير أيضا، وينقل فيه عن كثير من الكتب منها كتب الشيعة كعيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق و إرشاد المفيد وأعلام الورى للطبرسي وكتاب الال لابن خالويه، لكن أكثر روايات هذا الكتاب بل جميعها مأخوذة من كتب غير مشهورة بل غير معول عليها)([6]).

لكن الغريب من صاحب الرياض قوله جميع روايات الكتاب مأخوذة من كتب غير مشهورة مع قوله إنه ينقل من عيون الأخبار وإرشاد المفيد وأعلام الورى.

والعلامة النوري صاحب مستدرك الوسائل انتقد كتاب (روضة الشهداء) أثناء انتقاده لخبر مكذوب في كتاب : (محرق القلوب) للشيخ النراقي وبيان الكذب الموجود فيه إذ يقول  : (وشبهه([7]) في الكذب ما في المحرق ــ أي محرق القلوب ــ أيضا وما في روضة الكاشفي وهو أعجب من هذا أنه حينما أرسل عمر بن سعد ألف فارس لمقاتلة هاشم أرسل الحسين عليه السلام أخاه (فضلا) وعشرة أشخاص من أنصاره ليعينوا هاشما إلى آخر القصة المجعولة التي يجب أن تمحى من ذلك الكتاب . سبحان الله مع كل ذلك العناء والتعب الذي تحمله علماء الأنساب والمؤلفون في أحوال الأئمة عليهم السلام لأجل ضبط أسماء أولاد أمير المؤمنين عليه السلام من ذكور وإناث وإشارتهم لكل واحد منهم ولو جاء ذكره في الكتب على نحو الندور ، مع كل ذلك فإنه لم يذكر أحد منهم إلى الآن اسم (فضل) ومن هذا النوع من الأكاذيب في ذلك الكتاب الشيء الكثير)([8]).

وممن انتقد (روضة الشهداء) السيد نعمة الله الجزائري في خصوص تزويج الإخوة والأخوات : (العجب من صاحب روضة الشهداء كيف عول على هذا النقل من تزويج الإخوة الأخوات مع ورود الأخبار بخلافه)([9]).

ولكن لا عجب من قوله بذلك إذا ما ثبت كونه عامي المذهب.

                                                                                                                    هشام كاظم

                                                                                                                   النجف الأشرف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) تجاربي مع المنبر،ص38.

[2] ) الذريعة،ج11،ص294.

[3] ) رياض العلماء،ج2،ص189.

[4] ) مما يدل على تصوفه شرحه لكتاب المثنوي كما عده صاحب الرياض من مصنفاته : (له أيضا شرح كتاب المثنوي للمولوي الرومي وقد سماه جواهر الأسرار).رياض العلماء،ج2،ص190.

[5] ) رياض العلماء،ج2،ص185.

[6] ) رياض العلماء،ج2،ص190.

[7] ) أي شبه الخبر المكذوب في كتاب (محرق القلوب) توجد في الكتاب المذكور مكذوبات أخرى ومكذوبات في كتاب (روضة الشهداء) للكاشفي.

[8] ) اللؤلؤ والمرجان،ص176 .

[9] ) الأنوار النعمانية،ج1،ص193.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.