تجسم الأعمال ما بين الحقيقة والخيال (4)

تجسم الأعمال ما بين الحقيقة والخيال (4)

من الآيات التي استدلوا بها على تجسم الأعمال :

الآية الثانية :

[وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا]([1]).

إن الآية المباركة كما ما قالوا تدل بحسب الظاهر على حضور العمل وأن فاعل الخير والشر يرى عمله ماثلا بين يديه.

ولكن مما يرده هو أن صدر الآية المباركة يتحدث عن الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة فهذه قرينة تدل على أن المراد هو إحصاء الأعمال أو جزاؤها في الكتاب ، لا أنها حاضرة بصورة مستقلة عن الكتاب. كما أن التفسير عن أهل البيت عليهم السلام جاء بهذا المعنى فقد روي عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : [اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ]([2]) قال : يذكر بالعبد جميع ما عمل ، وما كتب عليه ، حتى كأنه فعله تلك الساعة فلذلك قالوا : [يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا]([3])([4]).

 

الآية الثالثة :

[يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ][فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ][وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ]([5])

قالوا في الاستدلال فيها :  ورد في الآية كلمة [يَرَهُ] باعتبار أن الضمير هنا يعود إلى نفس العمل ، وهذا ما يستفاد من كلمة [يَعْمَلْ] ، أو أن الضمير يعود إلى كلمتي : [خَيْراً] و [شَرًّا] ، وعلى كلا الفرضيتين فإن ظاهر الآية أن الإنسان في الآخرة يرى نفس أعماله التي اقترفها في الحياة الدنيا.

وإن الذين حملوا ذلك على أنه يرى جزاء أعماله أو ثوابها خلاف الظاهر .

ورد ذلك هو أن آيات عديدة ظاهرة وصريحة في أن الإنسان يوم القيامة يرى جزاء أعماله ، ويرى أعماله في الكتاب فلا يمكن تفسير هذه الآية المباركة مستقلة عن تلك الآيات خصوصا مع استخدام القرآن الكريم للكناية والتقدير.وحتى لو غضضنا النظر عن كل ذلك ، ولم نقل المراد هو مشاهدة جزاء الأعمال ، أو أن المراد مشاهدة كتاب الأعمال ، فإن أقصى ما تدل حضور الأعمال ولم تدل على أن الجزاء في نفس حضور الأعمال وليس ثمة من ورائه جزاء في غيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) سورة الكهف:49.

[2] ) سورة الإسراء :14.

[3] ) سورة الكهف:49.

[4] ) تفسير العياشي،ج2،ص284.

[5] ) سورة الزلزلة:6ـ7ـ8.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.