تجسم الأعمال ما بين الحقيقة والخيال (7)
تجسم الأعمال ما بين الحقيقة والخيال (7)
من الآيات التي استدلوا بها على تجسم الأعمال
الآية العاشرة :
[الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ][يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ]([1]).
وجه ما استدلوا به هو : كأن الذهب والفضة لهما صورتان صورة في الحياة الدنيا وصورة أُخرى في الحياة الأُخروية ، ففي هذا العالم تظهر بصورة الفلزات التي تبهر العيون وتجذب القلوب إليها ، وفي عالم الآخرة تظهر بصورة العذاب الأليم والنار المحرقة .
ومما يلاحظ عليه أنهم استدلوا بهذه الآية وهي تدل على عكس ما استدلوا به ، لأن الذي يحمى عليه نفس المعادن وتتحول إلى نار والذي يكوى وجوههم وجنوبهم لا نفس عملية الكنز ، والذي ينفعهم في الاستدلال هو نفس عملية الكنز تتحول إلى شيء يحمى في النار ولا دلالة في الآية على ذلك لأنها تتحدث عن مكنوزهم يحمى في النار.
الآية الحادية عشر :
[يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ].
وجه ما استدلوا به : هو أن أعمال الإنسان وخصاله الحسنة تتحول إلى ملكات جميلة تتجلى في عالم الآخرة بصورة النور .
ورد ذلك هو أن الآية المباركة أقصى ما تدل عليه وجود نور يسعى بين يدي المؤمنين ولم تدل على أن ذلك نور تجسم وانقلب من ذات أعمالهم وملكاتهم . بل ما روي في حديث أهل البيت عليهم السلام خلاف ذلك حيث روي أن الله تعالى يقسم النور بين المؤمنين ولم يكون نورهم صنيعة عملهم الذي تحول إلى نور وتجلى يوم القيامة كما في تفسير القمي عند تفسير الآية المباركة قال عليه السلام : يقسم النور بين الناس يوم القيامة على قدر إيمانهم ، يقسم للمنافق فيكون نوره في إبهام رجله اليسرى فينظر نوره ثم يقول للمؤمنين مكانكم حتى اقتبس من نوركم فيقول المؤمنون لهم : [ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا]([2])([3])
الآية الثانية عشر :
[مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ]([4])
ودليلهم هو أن الإنسان يجازى بنفس عمله وهذا عين تجسم الأعمال بحسب ما قالوا ، كما أنهم استدلوا على ذلك بنحوها من الآيات مثل :
[هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ]([5]).
[هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ]([6]).
ولكن الآية المباركة ونحوها من الآيات الكريمة أقصى ما تدل عليه هو الجزاء على العمل كقوله تعالى : [فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ]([7]) أما كون الجزاء بذات العمل فلا دلالة فيها من هذه الناحية.
الآية الثالثة عشر
[وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ]
وجه الاستلال في الآية على تجسم الأعمال : هو أن ظاهر الآية يدل على حضور الأعمال التي هي صنيعة ذات الإنسان .
ورد ذلك : إن الآية المباركة جارية وفق الاستعمال المجازي الذي يرمي لبيان الجزاء واستحقاق الإنسان على أعماله ، أو أن المراد هو الحضور في صحيفة الأعمال
الآية الرابعة عشر :
[وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُم وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ].
ما ذكروه في الاستدلال : إن أعمال الإنسان الصالحة والسيئة ترجع إلى الإنسان يوم القيامة كاملة غير منقوصة ، ويوفيهم الله تعالى ذات أعمالهم.
ولكن الفهم الذي يتبادر من الآية المباركة هو استيفاء جزاء العمل ، أو أن الله تعالى يطلعهم على أعمالهم في كتاب الأعمال.
ثم يوجد في القرآن الكريم ما لو تمسكنا بحرفية النص والجمود على لفظه ما يدل على إحباط الأعمال مثل قوله تعالى : [فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ]([8]).
فكيف ينسجم هذا مع تجسم الأعمال التي تبقى إلى يوم القيامة وبها يكون جزاء الإنسان وليس ثمة من جزاء من ورائه ؟!
الآية الخامسة عشر :
[يوم ينظر المرء ما قدمت يداه]
قد ذكروا في الاستدلال من خلالها : ينظر المرء عمله الذي هو الجزاء أي يكون عمله متحدا مع الجزاء . وبعبارة أخرى يرى المرء جزاءه الذي هو عمله.
والمناقشة في ذلك هو أن المرء يرى جزاء ما قدمت يداه فالآية في مورد الكناية عن الجزاء . وعلى فرض أن المرء يرى ما قدمت يداه فلا تدل على فيما قدمت يداه ، أو في رؤية ما قدمت يداه هو جزاء أعماله إذ لا دلالة فيها على ذلك كما هو ظاهر وواضح من الآية الكريمة.
الآية السادسة عشر :
[وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَّ]
وجه الاستدلال أن أعمال الإنسان توفى إليه أي أن جزاء الإنسان على أعماله سيكون بنفس أعماله التي يستوفيها يوم القيامة ، والآية المباركة لها نظائر في القرآن الكريم مثل :[وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ] .
[ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّاكَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ]
[إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ]([9]).
ورد ما استدلوا به هو أن الآية المباركة ونحوها كناية عن جزاء الأعمال وأن الإنسان يستوفي جزاء أعماله.ولا يغب عن ذهنك الوجوه الأخرى التي تقدمت في مناقشة ما استدلوا به في الآيات الأولى لأنها تجري في المناقشة هنا وفي عدة من الآيات ، ولا أرى من المناسب تكرارها هنا ، أو بعد كل آية بعد الإشارة إليها في أكثر من موضع ، كما أنه توجد مناقشات أخرى من المناسب تأخيرها إلى حين الكلام عن الظهور اللغوي.
[1] ) سورة التوبة : 34ـ35.
[2] ) سورة الحديد :13 .
[3] ) تفسير القمي،ج2،ص351.
[4] ) سورة النساء : 123.
[5] ) سورة يونس :52.
[6] ) سورة النمل :20.
[7] ) سورة الأحقاف :20.
[8] ) سورة البقرة:217.
[9] ) سورة الزمر : 10 .