(29) س : إن المؤمن الذي يسعى للكمال قد تواجهه أسئلة تتطلب إجابات
(29) س : إن المؤمن الذي يسعى للكمال قد تواجهه أسئلة تتطلب إجابات من قبل شخص لديه دراية ومعرفة بمثل هذه الأمور فيكون الرجوع إليه والاستفهام منه بمنزلة الأستاذ؟
ج : إن المطلع على حديث أهل البيت عليهم السلام في مجال تربية النفس وآداب العشرة يتسنى له الإجابة ولذا يمكن سؤال العلماء والفضلاء من طلبة العلم ، أو معرفة الإجابة من خلال ما كتبه العلماء في هذا المجال ، ولو فيما صدر عنهم بعنوان السؤال والجواب مثل (صراط النجاة) للسيد الخوئي مع تعليق الشيخ جواد التبريزي ، و (أجوبة المسائل في الفكر والعقيدة والتاريخ والأخلاق) للسيد محمد صادر الروحاني ، و (أسئلة وأجوبة المرجع الحكيم) للسيد محمد سعيد الحكيم (رحمهم الله).
والسؤال من العلماء والأفاضل غير ما هو معروف عن الشيخ في العرفان الصوفي حيث إن دورهم لا يتخطى الشرح والتوضيح لما جاء عن أهل البيت عليهم السلام،وليس لهم أن يختلقوا أموراً وطرقاً لم ترد في الشرع كما يفعل مشايخ الصوفية يلجؤون إلى ما لم يأمر به الدين.بل أحيانا يتخذون ما نهي الشارع عنه تحت عنوان الرياضات وطرق السير والسلوك.
ويمكن تلخيص أهم المؤاخذات على ابتداع فكرة الشيخ في العرفان الصوفي واختلافها عن الأستاذ في سائر العلوم في عدة نقاط:
1 ـ توقف التكامل والتقرب إلى الله على اتخاذ الشيخ كما زعموا.
2 ـ الضلال الحتمي مصير كل سالك لم يكن له شيخ بحسب ادعائهم حتى قالوا : (من لا شيخ له فشيخه الشيطان).
3 ـ لا يحق للسالك مخالفة الشيخ في كل شيء حتى لو أمره بما لم يأمر به الدين أو كان منهيا عنه ، كما نقل عبد الوهاب الشعراني (ت:973هـ) قول يوسف العجمي : (من أدب المريد أن يقف عند كلام شيخه ولا يتأوله ، وليفعل ما أمره به شيخه وإن ظهر أن شيخه أخطأ)([1]).
ويقول محمد أمين الكردي أن لا يعترض على شيخه ولو كان ظاهره حراماً (ت:1332هـ) : (أن لا يعترض عليه (أي على شيخه) فيما فعله ، ولو كان ظاهره حراما ، ولا يقول : لم فعل كذا ، لأن من قال لشيخه : لم لا يفلح أبدا . فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن)([2]).
4 ـ جعلوا حرمة الشيخ كحرمة الله تعالى حتى جعل ابن عربي في الفتوحات باباً عنونه : (في معرفة مقام احترام الشيوخ) ذكر فيه :
ما حرمة الشيخ إلا حرمة اللّه | فقم بها أدبا لله بالله([3]) |
5 ـ لا يحق للسالك كما يقولون الأخذ من غير شيخه وإنما عليه الالتزام مع أحد الشيوخ.
6 ـ لا يحق للمريد عمل الأمور المندوبة شرعاً من غير أذن الشيخ ؛ يقول إبراهيم الدسوقي : (المريد الصادق مع شيخه ، كالميت مع مغسله لا كلام ولا حركة ، ولا يقدر ينطق بين يديه من هيبته ، ولا يدخل ، ولا يخرج ، ولا يخالط أحدا ، ولا يشتغل بعلم ، ولا قرآن ، ولا ذكر إلا بإذنه ، لأنه أمين على المريد فيما يرقيه)([4]).
7 ـ توهم توقف التقرب إلى الله تعالى على بعض المختلقات التي لم يأمر بها الدين ويلتزمون بها بعنوان الرياضات وامتثال أمر الشيخ مع أن ما لم يأمر الدين ليس شأنه التقرب به.
8 ــ الاعتقاد بوجود مقامات ومناقب للشيخ لا واقع لها ، يقول علي بن وفا : (ألزم الأستاذ فإنه يظهر سر الربوبية ، فربما أوحى إليك ربك في حجاب قلب شيخك من طريق الإلهام ، فإن قلبه مظهر سر الربوبية ، فعلى المريد أن يقف عند أمر أستاذه ولا يتعداه ، ولا يلتفت عن أستاذه يمينا ولا شمالا ، إذ ليس المريد من يتوجه بقلبه إليه غير الأستاذ)([5]).
ولربما يقال هل لدى عرفاء الشيعة مثل هذه الأمور أو هل إنهم يتبنون هذه الأفكار في مسلك الشيخ والمريد؟
والجواب : إن عرفاء الشيعة لم يختلف حالهم عن سائر الصوفية في مسلك الشيخ والمريد لأنهم ضمن رؤية واتجاه واحد ؛ فهم صوفية وإن أُطلق عليهم عرفاء أو اختفوا وراء هذا العنوان.نعم قد يوجد من عرفاء الشيعة من لا يعتقد ببعض هذه الأمور ولكن هذا لا يعني الاختلاف في المسلك وإنما نظير اختلاف فرق الصوفية وأكابرهم فيما بينهم.
ثم عرفاء الشيعة أو الكثير منهم يعتقدون بتوقف السير والسلوك على الشيخ بل يزعمون من لا شيخ له فشيخه الشيطان كما يعتقد الصوفية.
كما أن مشايخ العرفاء يلزمون المريدين بأذكار معينة ذات عدد معين لم يرد عن طريق الشرع وإنما مما ابتدعوه من تلقاء أنفسهم ، كما ألزموهم ببعض الرياضات والأمور التي لم يوجبها الشرع مثل الاعتزال عن الناس . وقد يأمرونهم حتى بترك الزواج ، والعمل من أجل الكسب الحلال ، أو يلزموهم بمثل ترك بعض الأطعمة ونحو ذلك مما لم يردع عنه الشرع ، وهذه كلها تندرج تحت البدع والرياضات غير المشروعة.
ينبغي الحذر وتجنب كل شخص يحاول أن يربط الناس به على نحو علاقة المريد بالشيخ لأن هذا إما أن يكون جاهلا لم يعرف فيما يخوض فيه أو أنه يعرف ولكنه يغرر الناس لغرض في نفسه وغايات يتوخاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الأنوار القدسية،ج2،ص81.
[2] ) تنوير القلوب،ص،528.
[3] ) الفتوحات المكية،ج2،ص364.
[4] ) الأنوار القدسية،ج2،ص17.
[5] ) الأنوار القدسية،ج2،ص28.