مخاض المعرفة في تتمة دعاء عرفة (10)
مخاض المعرفة في تتمة دعاء عرفة (10)
تتمة دعاء عرفة والمناجاة الخمسة عشر
إن استعمال مادة : (جذب) التي جاءت في فقرتين تتمة دعاء عرفة وهما : (إلهي حققني بحقائق أهل القرب واسلك بي مسلك أهل الجذب) و (واجذبني بمنك حتى أقبل عليك) جاءت أيضا في مناجاة المريدين المروية عن الإمام السجاد عليه السلام : (وبالغافلين عن ذكره رحيم رؤوف وبجذبهم إلى بابه ودود عطوف) فهل يا ترى يمكننا عد مناجاة المريدين وتصنيفها من إنشاءات الصوفية؟!
كما أنه روي عن الإمام السجاد عليه السلام في مناجاة العارفين : (وفي رياض القرب والمكاشفة يرتعون) وهنا تسجل الملاحظة السابقة : هل يسعنا القول أن مناجاة العارفين من إضافات تلك الجماعة (الصوفية) لورود : (المكاشفة) فيها والذي هو من اصطلاحات الصوفية ؟! أم نقول أن مفردة المكاشفة كانت من استعمالات اللغة العربية ، وردت على لسان الأئمة عليهم السلام ولكن تعارف عليه فيما بعد ذلك عند الصوفية وشاعت في أوساطهم.
وكما أن استعمال مادة (صعق) جاء في القرآن الكريم : [فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ]([1]). والحال أن (الصعق) من مصطلحات الصوفية ، ومنه يتضح أن بعض المفردات مشتركة الاستعمال ما بين النصوص الدينية والصوفية ، ولكن الصوفية يقصدون منها معان غير ما جاء في النصوص نظير : (الزهد) مثلاً حرَّف الصوفية معناه الصحيح في النصوص وابتدعوا له معان غير مرادة في النصوص.
سند المناجاة الخمسة عشر وما فيها من كلام
قد يُقال إن المناجاة الخمسة عشر لم تثبت نسبتها للإمام السجاد عليه السلام فلا يصح التمسك والاستشهاد بها .
والجواب : إن المناجاة الخمسة عشر لم تكن منسوبة للإمام السجاد من غير دليل على النسبة ، وإنما رويت عنه عليه السلام وإن كانت مرسلة ــــ ناهيك عما يأتي من كلام الحر العاملي والتنكابني رحمهما الله ـــ من غير سند متصل كما يقول العلامة المجلسي : (المناجاة الخمس عشرة لمولانا علي بن الحسين صلوات الله عليهما وقد وجدتها مروية عنه عليه السلام في بعض كتب الأصحاب رضوان الله عليهم : المناجاة الأولى مناجاة التائبين..)([2]).
والإرسال لا يعني عدم إمكان نسبته للإمام عليه السلام بل العلماء ينسبون المراسيل للأئمة عليهم السلام ويعملون بها خصوصاً فيما إذا كانت محفوفة بالقرائن والمؤيدات . ورده من غير دليل على الوضع يندرج تحت الأخبار الناهية عن رد حديث أهل البيت عليهم السلام فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام : (لا تكذبوا بحديث أتاكم أحد فإنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله فوق عرشه)([3]).
وعنه عليه السلام : (إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفر من دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند ، فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا)([4]).
وقد ذمت الأحاديث من ينكر الحديث لضيق صدره وعدم فهمه ؛ روي عن سفيان بن السيط قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك إن الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه قال فقال أبو عبد الله عليه السلام : أليس عنى يحدثكم قال قلت بلى قال فيقول لليل إنه نهار وللنهار إنه ليل قال فقلت له : لا ، قال فقال : رده إلينا فإنك إن كذبت فإنما تكذبنا([5]).
وقد ذم القرآن الكريم الذين يكذبون بما لم يحيطوا به علما : [بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ]([6]).
والنصوص الدينية واضحة في ذم من يرد حديث أهل البيت عليهم السلام لمجرد الاحتمال وعدم الفهم ونحو ذلك.
والحر العاملي رواها في الصحيفة الثانية عن الإمام السجاد عليه السلام من دون تردد من بعد ما قال في المقدمة أنه جمع ما وصل إليه مما نقله العلماء عن الإمام السجاد عليه السلام : (وقد جمعت هنا بقية ما وصل إليَّ مما نقله العلماء الأعلام من أدعيته عليه الصلاة والسلام)([7]).
ومحمد بن سليمان التنكابني ــ الذي توفي حدود 1320هـ كما ذكر السيد الأمين في أعيان الشيعة([8]) ــ يقول عثرت على سند متصل لها : (عثرت على سند لهذه المناجاة في ما مضى وكان سنداً متصلاً ، لكن في ما بعد فتشت عنه في مظانه فلم أجده)([9]).
ويقول أيضا قراءة المناجاة بقصد الورود عن الإمام السجاد عليه السلام لا إشكال فيه لأنها مرسلة : (هذه المناجاة إن قُرئت بقصد الدعاء والذكر المطلق ومن باب مطلق الاستغفار لا بقصد الورود عن الإمام عليه السلام فلا إشكال فيها قطعا ؛ لأنها ستكون داخلة تحت عمومات الأذكار والأدعية ، بل إن قُرئت بقصد الورود عنه عليه السلام فلا إشكال أيضا ؛ لأنه غاية ما في الأمر أنها من الأدعية المرسلة ، وقراءة الأدعية المرسلة جائزة أيضا وليست محل إشكال)([10]).
وكانت مشهورة النسبة للإمام السجاد عليه السلام في عصر المجلسي الأب كما يقول في روضة المتقين الذي هو شرح على من لا يحضره الفقيه : (روي عن سيد الساجدين عليه السلام خمس عشر مناجاة ينبغي للسالك أن يداوم عليها وهي مشهورة بين الناس حتى أنه قلما يكون له معرفة بالخط لا يوجد عنده ومجموع ذلك بمحض تأييد الله وتأييد سيد المرسلين والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين)([11]).
وشهرة الكتاب بحد ذاتها يمكن عدها كدليل أو قرينة على النسبة وإن كان لا تخلو من مناقشة.
وتوجد نسخة تعود إلى ما قبل عصر المجلسي الأب تعود إلى سنة:722هـ كما نقل آقا بزرك الطهراني : (نسخة منه مجدولة مذهبة في مكتبة مدرسة (سپهسالار ) في 37 ص ، وطبع مستقلاً بقطع صغير للجيب في بيروت سنة :1960م بمباشرة عفيف عسيران نقلها عن نسخة كتبت سنة 722 في المجموعة الموجودة في أنقرة رقم 324)([12]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) سورة الأعراف:143.
[2] ) بحار الأنوار،ج91،ص142.
[3] ) بصائر الدرجات،ص558.
[4] ) أصول الكافي،ج2،ص223.
[5] ) بصائر الدرجات،ص557.
[6] ) سورة يونس : 39.
[7] ) الصحيفة الثانية،ص23.
[8] ) الميرزا محمد بن سليمان الطبيب التنكابني . ولد في حدود 1230 وتوفي في حدود 1310 .أعيان الشيعة،ج9،ص350.
[9] ) قصص العلماء،ص240.
[10] ) قصص العلماء،ص241.
[11] ) روضة المتقين،ج13،ص129.
[12] ) الذريعة،ج22،ص239.