(38) س : هل برر ملا صدرا لأبي يزيد البسطامي قوله سبحاني ما أعظم شاني ؟
(38) س : هل برر ملا صدرا لأبي يزيد البسطامي قوله سبحاني ما أعظم شاني ؟
ج : يقول ملا صدرا : (وأما أبو يزيد البسطامي ، فلا يصح عنه ما حكي عنه ، لا لفظا ولا مفهوما ومعنى . وإن ثبت أنه سمع منه ذلك ، فلعله كان يحكي عن اللّه تعالى في كلام يردّد في نفسه ؛ كما لو سمع منه وهو يقول : [إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي] ، فإنه ما كان ينبغي أن يقال ذلك إلا على سبيل الحكاية)([1]).
وهذا التبرير اقتبسه([2]) الملا من الغزالي في إحياء علوم الدين حيث ذكر الغزالي : (وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله ، فلا يصح عنه ما يحكى ، وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه ، كما لو سمع وهو يقول : [إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي] ، فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية)([3]).
وهذا التبرير لا قيمة له لأن أمثال هذه الكلمات عن البسطامي والحلاج وأقرانهما من الصوفية مشهورة معروفة في مصادر التاريخ والسير لا يدفعها هذا الضرب من التخمين والاحتمال من غير بينة وشاهد . وإنما هو محاولة من الصوفية المتأخرين في تصحيح ما صدر من رموز التصوف الذي سبقوهم في هذا الطريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) كسر أصنام الجاهلية،ص48.
[2] ) هذا تمام الاقتباس من الغزالي : يقول ملا صدرا : (اعلم أن المراد ب (الشطح) والمعني به صنفان من الكلام الصادر منهم : أحدهما الدعاوي الطويلة العريضة في العشق مع اللّه والوصال معه المغني عن القيام بالأعمال الظّاهرة والعبادات البدنية ؛ حتى ينتهي قوم منهم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب ، فيقولون : (رأينا كذا وقيل لنا كذا) . ويتشبّهون بالحسين الحلاج الذي صلب لأجل إطلاق كلمات من هذا الجنس ، ويستشهدون بقوله : (أنا الحق) وبما يحكون عن أبي يزيد البسطامي أنه قال : (سبحاني ، سبحاني ، ما أعظم شأني !) . وهذا فن من الكلام عظم ضرره في العوام أعظم من السموم المهلكة للأبدان ، حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوي ؛ فإن هذا الكلام يستلذه طبائع الأنام ، إذ فيه البطالة في الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال . فلا يعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم ولا عن تلفيق كلمات مخبّطة مزخرفة . ومهما أنكر أحد عليهم ، لم يعجزوا أن يقولوا : إن هذا إنكار مصدره العلم والجدل وعدم تفطن العلماء الظاهريين بأغوار كلماتنا وأسرار أحاديثنا ؛ لأن العلم حجاب ، والجدل عمل النفس . وهذا الحديث وأمثاله لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق ، ولا يفهمه إلا من هو من أهل المكاشفة . فهذا أحد مغاليطهم للخلق وإفسادهم لعقائد المسلمين وإيقاعهم في الزيغ والضلالة . وهو مما قد استطار ضره في البقاع والبلاد وانتشر شره في قلوب العباد . ومن نطق بشيء من هذه الكلمات ، فقتله أفضل في دين اللّه من إحياء عشرة . وأما أبو يزيد البسطامي ، فلا يصح عنه ما حكي عنه ، لا لفظا ولا مفهوما ومعنى . وإن ثبت أنه سمع منه ذلك ، فلعله كان يحكي عن اللّه تعالى في كلام يردّد في نفسه ؛ كما لو سمع منه وهو يقول : [إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي] ، فإنه ما كان ينبغي أن يقال ذلك إلا على سبيل الحكاية. الصنف الثاني من شطحياتهم كلمات غير مفهومة لها ظواهر رائقة وفيها عبارات هائلة ليس وراءها طائل إلا أنها تشوش القلوب وتدهش العقول وتحير الأذهان ، أو يحمل على أن يفهم منها معاني ما أريد بها ولا يكون لها مفهوم عند قائلها أيضا ، بل يصدرها عن خبط في عقله وتشويش في خياله . وقد يكون من قبيل ما يقال له (الطامات) ، وهو صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام ، كدأب الباطنية في التأويلات . وهذا أيضا حرام عقلا وشرعا)كسر أصنام الجاهلية،ص48.
أبو حامد الغزالي : (وأما الشطح فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية :
أحدهما – الدعاوي الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى ، والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة ، حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب ، والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب ، فيقولون : قيل لنا كذا وقلنا كذا ، ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس ، ويستشهدون بقوله : أنا الحق . وبما حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال : سبحاني سبحاني ، وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام ، حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم ، وأظهروا مثل هذه الدعاوي ، فإن هذا الكلام يستلذه الطبع ، إذ فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال ، فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم ، ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة ، ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا : هذا إنكار مصدره العلم والجدل ، والعلم حجاب ، والجدل عمل النفس . وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق . فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره وعظم في العوام ضرره حتى من نطق بشيء منه فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة . وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله ، فلا يصح عنه ما يحكى ، وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه ، كما لو سمع وهو يقول : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ، فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية .
الصنف الثاني من الشطح : كلمات غير مفهومة لها ظواهر رائقة ، وفيها عبارات هائلة وليس وراءها طائل ، وذلك إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها بل يصدرها عن خبط في عقله وتشويش في خياله لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه ، وهذا هو الأكثر . وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره ، لقلة ممارسته للعلم وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة ، ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ، ويحير الأذهان ، أو يحمل على أن يفهم منها معاني ما أريدت بها ، ويكون فهم كل واحد على مقتضى هواه وطبعه ).إحياء علوم الدين،ج1،ص60
[3] ) إحياء علوم الدين،ج1،ص60.