هل توجدرسائل من الإمام المهدي للشيخ المفيد ولماذا لم يذكرها في كتبه وكيف عرف ؟

س : هل توجد رسائل من الإمام المهدي (عليه السلام) للشيخ المفيد ؟ ولماذا لم يذكرها الشيخ المفيد في كتبه ؟ وكيف عرف الشيخ أنها من الإمام (عليه السلام)؟

ج : روى الطبرسي في الاحتجاج رسالتين وصلتا للشيخ المفيد من قِبل الإمام المهدي (عليه السلام) ، حيث ذكر : كتاب ورد من الناحية المقدسة – حرسها الله ورعاها – في أيام بقيت من صفر ، سنة عشر وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه ، ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز ، نسخته : للأخ السديد ، والولي الرشيد ، الشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه ، من مستودع العهد المأخوذ على العباد .

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد : سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين ، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين ، ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق ، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق : أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة ، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك ، أعزهم الله بطاعته ، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته ، فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره ، وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله . نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين ، حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين ، فإنا نحيط علما بأنبائكم ، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون . أنا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء([1]) أو اصطلمكم([2]) الأعداء فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم([3]) من فتنة قد أنافت([4]) عليكم يهلك فيها من حم أجله([5]) ويحمى عنها من أدرك أمله ، وهي أمارة لأزوف([6]) حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا ، والله متم نوره ولو كره المشركون . اعتصموا بالتقية ! من شب نار الجاهلية ، يحششها([7]) عصب أموية ، يهول بها فرقة مهدية ، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن ، وسلك في الطعن منها السبل المرضية ، إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه ، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه . ستظهر لكم من السماء آية جلية ، ومن الأرض مثلها بالسوية ، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق ، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق ، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق ، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار ، ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار ، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق ، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق . فليعمل كل امرء منكم بما يقرب به من بمحبتنا ، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا ، فإن أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة . والله يلهمكم الرشد ، ويلطف لكم في التوفيق برحمته . نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام : هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي ، والمخلص في ودنا الصفي ، والناصر لنا الوفي ، حرسك الله بعينه التي لا تنام ، فاحتفظ به ! ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا ! وأد ما فيه إلى من تسكن إليه ، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين([8]).

الرسالة الثانية :

وروى الطبرسي ورود كتاب آخر للشيخ المفيد حيث ذكر : ورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه ، يوم الخميس الثالث والعشرين

من ذي الحجة ، سنة اثني عشر وأربعمائة . نسخته :

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام الله عليك أيها الناصر للحق ، الداعي إليه بكلمة الصدق ، فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو ، إلهنا وإله آبائنا الأولين ، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين ، وعلى أهل بيته الطاهرين .

وبعد : فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه ، وحرسك به من كيد أعدائه ، وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ([9]) ، من بهماء صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان ، ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ منا بما يتجدد لنا من حال ، فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال ، والله موفقك لذلك برحمته ، فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين ، يبتهج لذمارها المؤمنون ، ويحزن لذلك المجرمون ، وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالجرم المعظم من رجس منافق مذمم ، مستحل للدم المحرم ، يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان ، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء ، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب ، وليثقوا بالكفاية منه ، وإن راعتهم بهم الخطوب ، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب . ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين ، أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه ، كان آمنا من الفتنة المبطلة ، ومحنها المظلمة المظلة ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته ، فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وآخرته ، ولو أن أشياعا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا ، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم.

وكتب في غرة شوال من سنة اثني عشر وأربعمائة .

نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها : هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي ، بإملائنا وخط ثقتنا ، فاخفه عن كل أحد ، واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله . الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين)([10]).

وقطب الدين الرواندي (ت:573 ه‍) روى شطرا من الرسالة الأولى : (وقد كتب إلى الشيخ المفيد : وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله لنا من الصلاح ، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين ، فإنا نحيط علما  بأنبائكم ولا يعزب  عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا ، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون وإنا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللاواء واصطلمكم الأعداء . . .ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع القلوب لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ، فما يحبس عنهم مشاهدتنا إلا لما يتصل بنا مما نكرهه)([11]).

والعلامة المجلسي في البحار نقل الرسالتين في الجزء الثالث والخمسين عن كتاب الاحتجاج  تحت عنوان : (فيما خرج من الناحية المقدسة للشيخ المفيد)([12]).

عدم ذكر الشيخ المفيد للرسالتين في كتبه

إن عدم ذكر الشيخ للرسالتين في كتبه الإجابة عنه واضحة جداً لأنه جاء في الرسالة الأولى الأمر بعدم إظهارها إلا من يثق به : (ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا ! وأد ما فيه إلى من تسكن إليه).

وأيضاً في الرسالة الثانية جاء الأمر بعدم الإخفاء إلا في خصوص من يثق به : (فاخفه عن كل أحد ، واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا).

كيف عرف الشيخ أن الرسالتين من الإمام المهدي (عليه السلام)

إن معرفة الشيخ المفيد أن الرسالتين من الإمام المهدي (عليه السلام) فلا بد من خلال وجود قرائن تدل على ذلك وتوجب الوثوق به ، مثل الإخبار بوقوع جملة من الحوادث المستقبلية في تقادم الأيام كما جاء في الرسالة الأولى : (إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه ، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه . ستظهر لكم من السماء آية جلية ، ومن الأرض مثلها بالسوية ، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق ، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق ، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق ، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار ، ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار ، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق).

وفي الرسالة الثانية أيضاً جاء الإتيان على ذكر جملة من الحوادث المستقبلية : (أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين ، يبتهج لذمارها المؤمنون ، ويحزن لذلك المجرمون ، وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالجرم المعظم من رجس منافق مذمم ، مستحل للدم المحرم ، يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان ، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء ، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب ، وليثقوا بالكفاية منه ، وإن راعتهم بهم الخطوب ، والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب).

ولم يكن مثل الشيخ المفيد الثقة الجليل القدر أن يُصدِّق بسهولة من غير وجود دلائل وعلامات قطعية خصوصاً مثل هكذا أمر عظيم ، مضافاً إلى عدم احتمال وقوع الكذب من قِبل الشيخ الذي هو أجل قدرا من ذلك ، ومع عدم وجود مانع شرعي ولا عقلي يقضيان بامتناع ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) اللأواء : بوزن فعلاء ، ويجمع على فعلاوات : الشدة والبلية.العين،ج8،ص354.

[2] ) اصطلم القوم إذا أبيدوا من أصلهم .العين،ج7،ص129.

[3] ) العون : الظهير على الأمر ، والجمع الأعوان .الصحاح،ج6،ص2168. (انتاش) الشيء ناشه واستخرجه ويُقال انتاشني فلان من الهلكة أنقذني.المعجم الوسيط،ج2،ص963.

[4] ) (أناف) الشيء ارتفع يُقال أناف البناء وَالعدد زاد على العقد وعليه أشرف . المعجم الوسيط،ج2،ص964.

[5] )  حم الأمر : قضي. العين،ج3،ص33.

[6] ) كل شيء اقترب فقد أزف . تهذيب اللغة،ج13،ص181.

[7] ) احتش للنار جمع لها الوقود.المعجم الوسيط،ج1،ص175.

[8] ) الاحتجاج،ج2،ص318.

[9] ) يقول الطريحي : (الشمراخ بالكسر والشمروخ بضم : العثكال ، وهو ما يكون فيه الرطب ، والجمع شماريخ . والشمراخ أيضاً : رأس الجبل . والشمراخية : صنف من الخوارج من أصحاب عبد الله بن شمراخ).مجمع البحرين،ج2،ص436.

والعلامة المجلسي في البحار شرح بعض مفردات الكتاب حيث ذكر : (“الشمراخ” رأس الجبل ، وفي العبارة تصحيف ولعله كان هكذا “وشفعنا لك الآن” أي لنجح حاجتك التي طلبت “في مستقر لنا” أي مخيم تنصب لنا في رأس جبل “من مفازة بهماء” أي مجهولة “والغماليل” جمع الغملول بالضم وهو الوادي أو الشجر أو كل مجتمع أظلم وتراكم من شجر أو غمام أو ظلمة “والسباريت” جمع السبروت بالضم ، وهو القفر لا نبات فيه ، والفقير ولعل الأخير أنسب و “أبسلت فلانا” أسلمته للهلكة و “اللوثة” بالضم الاسترخاء والبطؤ).بحار الأنوار،ج53،ص178.

[10] ) الاحتجاج،ج2،ص324.

[11] ) الخرائج والجرائح،ج2،ص902.

[12] ) بحار الأنوار،ج53،ص174.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.