الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (3)
الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (3)
انتقادات العلماء لنقله أخبار العامة والتصوف
إن في كلمات جملة من العلماء الإشارة إلى نقله أخبار العامة التي لا تنسجم مع الضروريات المذهبية لدى الشيعة ، ونقله لأخبار الصوفية التي لا مصدر لها سوى عند هذه الجماعة :
الحر العاملي :
إن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة عد كتاب العوالي وكتاب المجلي من الكتب غير المعتمدة : (الكتب هذه كتب غير معتمدة ، لعدم العلم بثقة مؤلفيها ، وثبوت ضعف بعضهم ، ولذلك لم أنقل منها شيئاً … كتاب غوالي لابن أبي جمهور كتاب المجلي له)([1]).
العلامة المجلسي :
يقول العلامة المجلسي في كتاب عوالي الآلي :(غوالي الآلي وإن كان مشهوراً ومؤلفه في الفضل معروفاً ، لكنه لم يميز القشر من اللباب وأدخل أخبار متعصبي المخالفين بين روايات الأصحاب .فلذا اقتصرنا منه على نقل بعضها)([2]).
السيد حبيب الله الخوئي :
إن السيد حبيب الله الخوئي لديه كلام طويل في ذم ابن أبي جمهور ، وانتقاد ما ذكره في كتاب العوالي (ومن جملة الأخبار العامية التي رواها في الغوالي ما رواه عن النبي صلّى اللَّه عليه وآله أنه قال : (صلوا خلف كل بر وفاجر)([3]) ، ومن جملة أحاديث الصوفية التي نقلها فيه ما رواه فيه عن النبي صلَّى اللَّه عليه وآله قيل له : يا رسول اللَّه أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق قال : كان في عماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء([4]) . وهذا الحديث من موضوعات الصوفية حسبما أشرنا إليه فيما تقدم ، وقد رواه أكثر الصوفية في كتبهم حتى محيى الدين في الفصوص وأكثر شرّاح الفصوص أيضاً([5]) .ومن جملة ما رواه أيضا فيه ما نقله عن علي عليه السلام قال : وروى عنه وقد سئل عن معني التصوف والتصوف مشتق من الصوف وهو ثلاثة أحرف : ص ، و ، ف . فالصاد صبر وصدق وصفاء ، والواو ودّ وردّو ووفاء ، والفاء فقر وفرد وفناء([6]) .وآثار الوضع على هذا الحديث غير خفية كما يعرف ذلك مما ذكرناه في المقام الثاني ، فإن بدو ظهور الصوفية واستعمال هذا الاسم فيهم وتسميتهم بها كان في زمان أبي هاشم الكوفي في عصر الصادق عليه السلام ولم يكن في عصر أمير المؤمنين عليه السلام أحد يسمى بهذا الاسم .وكم له في كتبه من أخبار الصوفية وأحاديثهم الموضوعة وأقوالهم الردية حسبما نقلها عنه أصحابنا في كتبهم إزراء عليه بذلك .قال بعض تلامذة العلامة المجلسي في كتابه الذي ألفه في الرد على الصوفية في تفصيل خرقة هذه الطائفة ما هذه عبارته : فمرة قال شيخ شيوخ الصوفية اعني ابن أبي جمهور الأحسائي في كتاب مجلي مرآة المنجى أن شيخ طائفتهم الشيخ الجنيد لبس الخرقة من يد خاله الشيخ السري السقطي ، والسري لبسها من معروف الكرخي ، والمعروف الكرخي لبسها من الإمام على بن موسى الرضا عليه السلام([7]) .ومرة قال : إن معروف لبس من داود الطائي وأخذ هذه الطريقة منه ، وهو من حبيب الأعجمي ، وهو من الحسن البصري ، وهو من أمير المؤمنين عليه السلام([8]) .وتارة أخرى ذكر أن الإمام أبا علي شقيق البلخي أخذها عن الإمام أبي عمرو موسى بن زهد الفراغي عن أويس القرني عن أمير المؤمنين علي عليه السلام([9]) .وكتب في الحاشية أن سلسلتهم تنتهي إلى ذي النون المصري ، وشيخ ذو النون كان من تلامذة مولينا وسيدنا الحسن الأخير العسكري عليه وعلى ابنه الحجة وآبائه السلام([10])،انتهى.أقول : فانظروا إلى هذا الأحسائي الشيعي باعتقاده كيف هبت به ريح الهوى إلى قبة هذه الفئة ، فضل وجار عن قصد السبيل ، وقال غير الجميل ، وسار بغير دليل ، وتاه متاه بني إسرائيل ، ولم يفهم مضادة الحسن البصري السامري مع أئمتنا لاسيما مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام([11]) ، ولم يعلم أن هذه الاختلافات في الروايات العامية الملاحدة من أعظم القوادح فيها كيف ولم يذكر ما دونه هذا الرجل في كتابه شيخ الطائفة المحقة فمن دونه ، ولو كان له أصل لذكروه وليس فليس إلى أن قال : نعم ذكر الجامي في ترجمة الشيخ محيي الدين المغربي من كتاب النفحات أن نسبة خرقته في التصوف تصل إلى الشيخ محيي الدين عبد القادر الجيلاني بواسطة واحدة([12]) . وبالجملة للجامي في الكتاب المذكور ، والسهروردي في كتاب العوارف ، وهبة اللَّه الأصفهاني في كتاب الخمسين ، وشمس الدين محمد بن محمد ابن الجزري الشافعي في خاتمة عواليه ، وغيرهم من علماء العامة المتصوفة هذيان طويل في أمر الخرقة وأحكامها .والفاضل الأحسائي سرقه منها وأسرف في تزيينه وتشهيره ولا جناح عليهم في هذا الإجماع منهم ، فإن من الأمثال المشتهرة : (عند الخنازير تنفق العذرة) … انتهى كلامه رفع مقامه وقد أطنبت بنقله تنبيها لك على اعتماد الأحسائي على أحاديث المخالفين وركونه إلى أخبار الناصبين ، وليته قنع بذلك ولم يسع في تخريب قواعد الدين حيث انحرف عن مناهج المتشرعين ، وولع بترويج طريقة المتصوفين ، وتشهير مزخرفات المبتدعين جزاه اللَّه ما يستحقه يوم حشر الأولين والآخرين)([13]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) وسائل الشيعة،ج30،ص159.
[2] ) بحار الأنوار،ج1،ص31.
[3] ) نص ما ذكره ابن أبي جمهور : (ورووا عنه صلى الله عليه وآله : (صلوا خلف كل بر وفاجر).عوالي الآلي،ج1،ص37.
[4] ) جاء في العوالي : برواية حماد بن سلمة ، انه سأله صلى الله عليه وآله : أين كان ربنا قبل خلق السماوات والأرض ؟ فقال : عليه السلام : ” كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء .عوالي الآلي،ج1،ص55.
[5] ) يقول ابن عربي في الفصوص : (وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه تعالى إلا بالتحديد ، تنزيها كان أو غير تنزيه ، أو له العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء ، فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق ، ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا أيضا تحديد ، ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد ، ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا).فصوص الحكم (شرح عبد الرزاق الكاشاني)،ص159.ويأتي إن شاء الله الكلام في تحقيق الخبر.
[6] ) نص ما ذكره في العوالي : (وروي عنه عليه السلام وقد سئل عن معنى التصوف ؟ فقال عليه السلام : التصوف مشتق من الصوف ، وهو ثلاثة أحرف ( ص . و . ف ) فالصاد صبر وصدق وصفا . والواو ود وورد ووفاء ، والفاء فقر وفرد وفناء).عوالي الآلي،ج4،ص105.
[7] ) انظر مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1262.
[8] ) انظر مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1263.
[9] ) انظر مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1263.
[10] ) انظر مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1265.
[11] ) ذكرت ذم الأئمة عليهم السلام للحسن البصري في كتاب : (التصوف والعرفان) تحت عنوان : (لقاءات الحسن البصري بالأئمة عليهم السلام وذمهم له).
[12] ) يقول ابن أبي جمهور في تعريف الخرقة لدى الصوفية : (واعلم أنه ليس المراد بهذه الخرقة تلك الخرقة بعينها، بل المراد شرائط الخرقة على الوجه الذي لبسها النبي الله من يد جبرئيل وهي الخرقة المعنوية وهي عبارة عن أخذ المعنى عن صاحب المقام بقدر الاستعداد والاتصاف بصفاته والتخلق بأخلاقه. ولذلك تقول المشايخ من الصوفية : هي التشبه والصحبة واللبس والتلقي وهو راجع إلى الصورة والمعنى ، ويعبر عن المعنوية بالفقر وعن الصورية بالحرقة).مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1258.
[13] ) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة،ج13،ص414 ـ 417.