س:هل القرآن مخلوق أم قديم غير مخلوق وما معنى قول الإمام الصادق في توحيد الصدوق..

 

س:هل القرآن مخلوق أم قديم غير مخلوق وما معنى قول الإمام الصادق في توحيد الصدوق:(القرآن كلام الله محدث غير مخلوق)؟

ج:القول بخلق القرآن مما جاءت به أحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام وهو من الضروريات المذهبية عند الشيعة الإمامية .  وقالت المعتزلة : إن كلامه تعالى حادث لأن كل ما هو مركب يكون حادثاً ، وبما أن كلامه تعالى مرتب من حروف يكون حادثاً . وقالت الأشاعرة : إن كلامه تعالى صفة له وكل ما هو صفة يكون قديماً إذن كلامه قديم . وعلى هذا القول يلزم تعدد القدماء ، ولفقت الأشاعرة على قول المعتزلة (حدوث القرآن) يترتب عليه أن القرآن كغيره من المخلوقات لا يستحق القدسية . ومن الواضح لا ملازمة بين القول بحدوث القرآن وعدم قدسيته ، أو قل لا يعني القول بحدوث القرآن عدم قدسيته.

ومما يستدل به على خلق القرآن قوله تعالى : [وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا] وإن كان لا يخلو من مناقشة في الدلالة على خلقه.

وأئمة أهل البيت عليهم السلام لم يتدخلوا بالصراعات الطاحنة بين الأشاعرة والمعتزلة في هذه الخصوصية إما تقيةً ، أو لأن إطلاق الخلق على القرآن يوهم بمعنى غير صحيح  كما يقول العلامة المجلسي : (لعل المنع من إطلاق الخلق على القرآن إما للتقية مماشاة مع العامة ، أو لكونه موهما لمعنى آخر أطلق الكفار عليه بهذا المعنى فقالوا : [إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ]([1])([2]).

 أو لأنها من الصراعات السياسية التي تصب في مصلحة الحكام([3]) ؛ ولذا كان الإمام الصادق عليه السلام لا يجيب عند السؤال عن خلق القرآن ، روى علي بن سالم عن أبيه قال : سألت الصادق جعفر بن محمد فقلت له : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله، وتنزيله . وهو الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد([4]).

أو يجيب عليه السلام بجواب غير صريح كما روي عن عبد الرحيم القصير قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ، اختلف الناس في أشياء قد كتبت بها إليك ، فأن رأيت جعلني الله فداك أن تشرح لي جميع ما كتبت به إليك ، اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة والجحود ، فأخبرني جعلت فداك أهما مخلوقان ؟ واختلفوا في القرآن ، فزعم قوم : أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقال آخرون : كلم الله مخلوق … فكان من ضمن ما أجاب به الإمام الصادق عليه السلام : وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس قبلكم ، فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، كان الله عز وجل ولا شيء غير الله معروف ولا مجهول ، كان عز وجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل  عز وجل ربنا ، فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه ، عز وجل ربنا ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم وخبر ما يكون بعدكم  أنزل من عند الله على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله([5]).

وقد فسر الشيخ الصدوق قول الإمام عليه السلام (كلام الله غير مخلوق) بأنه غير مفترى حيث يقول : (معنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب ، ولا يعني به أنه غير محدث لأنه قال : محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره)([6]).

وعن سليمان بن جعفر الجعفري قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : يا ابن رسول الله ، ما تقول في القرآن ؟ فقد اختلف فيه من قبلنا ، فقال قوم إنه مخلوق ، وقال قوم إنه غير مخلوق . فقال عليه السلام : أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول : إنه كلام الله([7]).

ولكن مع عدم تدخل الأئمة عليهم السلام وإعراضهم عن الإجابة بشكل صريح نجد بعض الأحاديث التي تدل على خلق القرآن الكريم ، ولربما كانت هذه الأحاديث لخاصتهم ممن لا يكشفون سرهم ، أو أنها كانت بعد أن هدأت الفتنة فقد روى محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني أنه كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى بعض شيعته ببغداد : بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة ، وإن لا يفعل فهي الهلكة . نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ، ويتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلا الله عز وجل ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين([8]).

وسُئل الإمام العسكري عليه السلام : القرآن مخلوق أم غير مخلوق ؟ فقال : للسائل : يا أبا هاشم، الله خلق كل شيء وما سواه مخلوق([9]).

وبعد ذلك اتضح أن المروي عن الأئمة عليهم السلام هو القول بخلق القرآن وما جاء في خبر الإمام الصادق عليه السلام من أنه حادث غير مخلوق المراد بغير مخلوق أي غير مكذوب بقرينة كلمة حادث في نفس الخبر ، والأخبار التي صرحت بخلق القرآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) سورة ص : 7.

[2] ) بحار الأنوار،ج5،ص33.

[3] ) ممن كا يقول بقول المعتزلة المأمون العباسي والمعتصم ، والمتوكل العباسي كان يقول بقول الأشاعرة.

[4] ) توحيد الصدوق،ص224.

[5] ) توحيد الصدوق،ص266.

[6] ) توحيد الصدوق،ص229.

[7] ) .توحيد الصدوق،ص224.

[8] ) توحيد الصدوق،ص224.

[9] ) مناقب آل أبي طالب، ج2،ص525.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.