توبة بهلول النباش فيها ما يريب!
توبة بهلول النباش فيها ما يريب!
توبة الشاب بهلول الشهيرة وإن كان رواها الشيخ الصدوق في الأمالي إلا أنه مما يلاحظ عليها هو أن في سلسلة رواتها الصوفي الحسن البصري ، والرواية طويلة جاء فيها : (فنظر النبي صلى الله عليه وآله إليه كهيئة الغضبان ثم قال : ويحك يا شاب ، ذنوبك أعظم أم ربك . فخر الشاب لوجهه وهو يقول : سبحان ربي ! ما شيء أعظم من ربي ، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم . فقال النبي صلى الله عليه وآله : فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم ! قال الشاب : لا والله ، يا رسول الله ، ثم سكت الشاب . فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك . قال : بلى ، أخبرك أني كنت أنبش القبور سبع سنين ، أخرج الأموات وأنزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار ، فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليها الليل ، أتيت قبرها فنبشتها ، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها ، وتركتها متجردة على شفير قبرها ، ومضيت منصرفا ، فأتاني الشيطان ، فأقبل يزينها لي ويقول : أما ترى بطنها وبياضها ؟ أما ترى وركيها ؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول : يا شاب ، ويل لك من ديان يوم الدين ، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ، ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي ، فويل لشبابك من النار ، فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا ، فما ترى لي يا رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : تنح عني يا فاسق ، إني أخاف أن أحترق بنارك ، فما أقربك من النار ، فما أقربك من النار ! ثم لم يزل ( صلى الله عليه وآله ) يقول ويشير إليه ، حتى أمعن من بين يديه ، فذهب فأتى المدينة ، فتزود منها ، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ، ولبس مسحا ، وغل يديه جميعا إلى عنقه ، ونادى : يا رب ، هذا عبدك بهلول ، بين يديك مغلول ، يا رب أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم . يا سيدي يا رب ، إني أصبحت من النادمين ، وأتيت نبيك تائبا ، فطردني وزادني خوفا ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي ، سيدي ولا تبطل دعائي ، ولا تقنطني من رحمتك . فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة ، تبكي له السباع والوحوش ، فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم ما فعلت في حاجتي ؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي ، فأوح إلى نبيك ، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي ، فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني ، وخلصني من فضيحة يوم القيامة ، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وآله : [وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً] يعني الزنا [أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ] يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان [ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ] ([1]) إلى آخر الراوية المشهورة.
والملاحظة الأخرى عليها ـــ بعد كون في سلسلة رواتها الحسن البصري ـــ هو أن رسول الله صلى الله عليه وآله طرد الشاب من مجلسه الذي جاء إليه يلتمس التوبة ! وهذا يتنافى مع مكانة وخلق رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال فيه القرآن الكريم : [وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا].
والملاحظة الثالثة : هو أن ما جاء فيها ينسجم مع ما عليه الصوفية من الرهبنة والتقشف والعزلة في الصحاري والجبال : (أتى بعض جبالها فتعبد فيها ، ولبس مسحا ، وغل يديه جميعا إلى عنقه ، ونادى : يا رب ، هذا عبدك بهلول ، بين يديك مغلول ، يا رب أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم . يا سيدي يا رب ، إني أصبحت من النادمين ، وأتيت نبيك تائبا ، فطردني وزادني خوفا ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي ، سيدي ولا تبطل دعائي ، ولا تقنطني من رحمتك).
الملاحظة الرابعة : فيها من الشيء الغريب الذي لم يتعارف في الأخبار : (تبكي له السباع والوحوش) وهو مما ينسجم مع كرامات الصوفية المزعومة التي شاعت في أوساطهم لتغرير الناس بهم وترغيبهم في مسلكهم.
ومع ذلك كله لا أقول بكذب الراوية جزما وإنما لا يمكن الركون لرواية غريبة كان في سلسلة رواتها الحسن البصري مع ما فيها من إساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله مضافا للملاحظتين الأخرتين.
والغريب أنه يوجد من يرتقي المنبر ويذكر بعض مفرداتها التي لا تتناسب والمنبر : (فأتاني الشيطان ، فأقبل يزينها لي ويقول أما ترى..) ولا أدري هل تسميه من السذاجة أم من قلة الحياء وعدم معرفة ما يتناسب والمنبر؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الأمالي،ص98.