(83) س : هل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء متأثر في الفلسفة والعرفان الصوفي؟
(83) س : هل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء متأثر في الفلسفة والعرفان الصوفي؟
ج : هو من المؤيدين للفلاسفة والعرفاء ولا يذكر رموزهم إلا بالإجلال والإكبار والمدافعين عن مطالبهم ومتبنياتهم مثل:(الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد) واصفاً إياها بالقاعدة الجليلة ، وأن التوحيد للحق وما يليق به لا يتم إلا من خلال هذه القاعدة حيث يقول:(هذه القاعدة الجليلة هي من مهمات المسائل الحكمية وأمهاتها وإن ناقش فيها بعض الحكماء والأكابر من المتقدمين والمتأخرين،ولكن حقاً أقول إن التوحيد الحق لحضرة الحق جل وعلا وما يليق بوحدانية ذاته المقدسة الأحدية بل أصل وجوب الوجود للواجب تعالى شأنه لا يتم إلا بهذه القاعدة)([1]).
وهو من المؤيدين لحكاية العقول العشرة :(ذهب المشاؤون ــ وهم طائفة من الحكماء ورئيسهم المعلم الأول أرسطو ــ إلى حصر العقول الكلية في العشرة وليس المراد الكلي المفهومي بل الكلي الوجودي ويسمونه على اصطلاح الحكماء برب النوع)([2]).
ويرى أن جميع مطالب الفلاسفة مأخوذة من أهل البيت عليهم السلام : (اعلموا بالقطع واليقين أن أغلب مطالب الحكماء بل جميعها مأخوذة من كلمات أرباب الوحي وأمناء العصمة سلام الله عليهم)([3]).
ويرى أن مطالب الفلاسفة مساعدة لفهم كلمات أهل البيت عليهم السلام حيث يقول : (الظاهر بل اليقين أن أقوى المساعدات وأعد الأسباب والموجبات للوصول إلى مقاصد أمناء الوحي وكلمات الأنبياء والأوصياء عليهم السلام إنما هو فهم كلمات الحكماء المتشرعين)([4]).
ويثني على وحدة الوجود وابن عربي ناعتاً إياه بالنبوغ : (الذي طفح وطغى في كلمات العرفاء الشامخين ومشايخ الصوفية السالكين والواصلين هو وحدة الوجود ووحدة الموجود أيضاً ، وكانت هذه الكلمة العصماء يلوح بها أكابر العرفاء والأساطين في القرون الأولى كالجنيد والشبلي ، وأبا يزيد البسطامي ، ومعروف الكرخي ، وأمثالهم حتى وصلت إلى الحلاج وأقرانه إلى أن نبغ في القرون الوسطى محي الدين العربي وتلميذاه القونوي والقيصري فجعلوها فناً من الفنون والمؤلفات الضخام كالفتوحات المكية وغيرها ، والمتون المختصرة كالفصوص والنصوص التي شرحها ونقحها صدر الدين القونوي ، وانتشرت ، وعند عرفاء القرون الوسطى من العبر كابن الفارض وابن عفيف التلمساني وغيرهما)([5]).
ويرى ابن عربي ممن رفع الأستار عن الأسرار : (قد رفع الكثير منهم حجب الأستار عن هذه الأسرار حتى أن محي الدين العربي عبر عن كل هذا بتغيير كلمة في البيت المشهور وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد فقال : (تدل على أنه عينه)([6]).
ويبرر قول (أنا الحق) ونحوه بتوغل الغرام وتوقد شعلة المعرفة فلم يضبطوا عقولهم أي أن أصل إشكاله عند التلفظ وإذاعة الأسرار كما عبر المبررون لهذه الأقوال : (إن بعض المتطرفين المتوغلين في الغرام والهيام والشوق إلى ذلك المقام الأسمى قد توقدت شعلة المعرفة في قلوبهم فلم يستطيعوا ضبط عقولهم وألسنتهم فصدرت منهم شطحات لا تليق بمقام العبودية مثل قول بعضهم (أنا الحق) (وما في جبتي إلا الحق) وأعظم منها في الجرأة والغلظ والشطط قول بعضهم (سبحاني ما أعظم شأني) وهذه الكلمات قد حملها الثابتون منهم على أنها صدرت من البعض حالة المحو لا حالة الصحو ، وفي مقام الفناء في الذات ، لا في مقام الاستقلال والثبات ، ولو صدرت في غير هذه الحال لكانت كفراً ، على أن المنقول عن الحلاج أنه قال للذين اجتمعوا على قتله اقتلوني فأن دمي لكم مباح لأني قد تجاوزت الحدود ومن تجاوز الحدود (أقيمت عليه الحدود) ولكن العارف الشبستري التمس العذر لهذه الشطحات وجملها على أحسن وجه)([7]).
ويقول ويستدل بفقرة رواية في الدعاء : (لا فرق بينك وبينها ألا أنهم عبادك وخلقك)([8]). على معاني لا تدل عليها ويذهب بها وفق معاني عرفاء الصوفية : (العقل الكلي أو الصادر الأول (ما شئت فعبّر) أو الحقيقة المحمدية متصلة بمبتدئها غير منفصلة عنه ، لا فرق بينك وبينها ألا أنهم عبادك وخلقك ؛ بدؤها منك وعودها إليك ، (أنا أصغر من ربي بسنتين)([9]) والكل وجود واحد ممتد بلا مدة ولا مادة ، من صبح الأزل إلى عشية الأبد بلا حد ولا عد ، ولا بداية ولا نهاية)([10]).
هذه بعض الشواهد على تأثره الفلسفي والعرفاني ولست بصدد إحصائها أجمع ، وقد تم مناقشة هذه الدعاوى وإبطالها في كتاب (الأوهام الفلسفية).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الفردوس الأعلى،ص37.
[2] ) الفردوس الأعلى،ص32.
[3] ) الفردوس الأعلى،ص42.
[4] ) الفردوس الأعلى،ص42.
[5] ) الفردوس الأعلى،ص208.
[6] ) الفردوس الأعلى،ص211.
[7] ) الفردوس الأعلى،ص218.
[8] ) هذه الفقرة روها الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد عن الإمام المهدي عليه السلام في دعاء شهر رجب . وقد تم الكلام في معناها والوجوه التي ذُكرت في تفسيرها في السؤال عن معنى : (لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك وخلقك). وكان من تفسيراتها هو أن المراد منها أن أمرهم عليهم السلام هو أمر الله تعالى ، أو القول بأن طاعتهم هي طاعة لله تعالى. وهي من الفقرات التي استغلها بعض الصوفية والغلاة لتأييد ما ذهبوا إليه من معاني باطلة .
[9] ) لم يروَ عن أمير المؤمنين عليه السلام في المصادر الأولية ولا الثانوية وإنما نسبته للإمام بعض الكتب المتأخرة من غير مصدر وسند مثل : (مصابيح الأنوار) للسيد عبد الله شبر . وذُكر له عدة تفسيرات مثل أن أمير المؤمنين عليه السلام قبض بعد ما دخل في السنة الرابعة والستين كما أن النبي صلوات الله عليه قبض وقد دخل في السنة السادسة والستين ولذلك يقول عن نفسه عليه السلام: (أنا أصغر من ربى بسنتين ) يعنى عن أستاذه ومعلمه محمد صلوات الله عليه.وهذا كغيره من التفسيرات التي لا تخلو من كلام.والقاضي سعيد القمي نسبه لرسول الله صلى الله عليه وآله في (شرح الأربعين).ومحمد علي التهانوي نسبه لابن عربي حيث ذكر : (كقول ابن عربي : أنا أصغر من ربي بسنتين).موسوعة كشف اصطلاحات الفنون والعلوم،ج1،ص1028.فلم يثبت كونه من الأخبار ، وما ذكروا له من شروحات هي مجرد احتمالات ، وبعد عدم ثبوت كونه من الأخبار لا موجب للتتبع ما قيل فيه من شرح وتفسير.
[10] ) الفردوس الأعلى،ص207.