الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (32) نسبة الصوفية لأمير المؤمنين!

الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (32)

نسبة الصوفية لأمير المؤمنين!

إن من أهم الأمور التي تدل على تأثر ابن أبي جمهور بالتصوف هو نسبة خرقة التصوف وطرق الصوفية لأمير المؤمنين عليه السلام ، إذ يقول : (انتساب أرباب الطريقة من الصوفية وأهل الله إليه ــ يقصد أمير المؤمنين عليه السلام ــ شائع)([1]).

ومما ذكره في نسبة خرقة التصوف لأمير المؤمنين عليه السلام في موضع آخر : (تمام البحث في ذكر نسبة خرقة([2]) التصوف إليه ـــ يقصد أمير المؤمنين عليه السلام ـــ وإلى أولاده . حكى السيد العلامة المتأخر([3]) صاحب الكشف الحقيقي أن الشيخ الجنيد لبس الخرقة من يد خاله الشيخ السري السقطي ، والسري ليها من معروف الكرخي ومعروف الكرخي لبسها من الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ([4]) . ثم قال:ولهؤلاء القوم في الأمر طريقين: أحدهما: نسبة الصحبة، والثاني : نسبة الخرقة . فأما نسبة الصحبة فلشيخي وسيدي شيخ الإسلام محمد بن حموية وصحبته كانت مع الخضر عليه السلام. وأما نسبة الخرقة فإنه لبسها من ركن الإسلام أبي علي الفارمذي من قطب الوقت أبي القاسم الكركاني من الأستاذ أبي عثمان المغربي من شيخ الحرم أبي عمرو الزجاجي من سيد الطائفة أبي القاسم الجنيد من السري السقطي من أبي محفوظ معروف الكرخي واختلفوا في نسبة خرقته، فذهب أكثر المحدثين إلى أنه أخذ هذه الطريقة ولبس الخرقة من سيده علي بن موسى الرضا، وذهب بعض المشايخ إلى أن معروفاً ليس من داوود الطائي وأخذ هذه الطريقة منه وهو من حبيب الأعجمي وهو من الحسن البصري وهو من أمير المؤمنين علي عليه السلام.

وأما الشيخ الأعظم الشيخ الإلهي شهاب الدين السهروردي قدست نفسه فمعلوم حاله من قوله : أما بعد فقد ألبس الشيخ الصالح المقرئ المحدث المعمر نجم الدين أبو الوليد إسماعيل بن أمين الدين إبراهيم بن أبي بكر التفليسي عرف بابن الإمام خرقة التصوف بشروطها عند أهلها ليحيى بن عبد الرحمن بن علي بن محمود الجعفري ، قال : ألبسنيها الشيخ الحافظ جمال الدين أبو حامد محمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن جمال النيراني عن أبي الفتح محمود المحمودي بن الصابوني السلامي في منزله، فقال: ألبسنيها المشايخ الثلاثة بشرائطها : الطريق الأول : الشيخ محيي الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد الحميري الفارسي ، قال : ألبسنيها والدي الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الحميري الفارسي ، قال: شيخ الشيوخ أبو الفتح أحمد بن خليفة البيضاوي عن أبي إسحاق إبراهيم بن شهريار الكازروني عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن خفيف عن الإمام جعفر الحذاء عن الإمام أبي عمر الإصطخري عن الإمام أبي تراب النخشبي عن الإمام أبي علي شقيق البلخي عن الإمام أبي عمرو موسى بن زهد الفراغي عن أويس القرني عن أمير المؤمنين عيه السلام وبطريق آخر: أن الشيخ أبي عبد الله محمد بن حبيب أخذ عن الشيخ شيخ الطائفة أبي القاسم محمد الجنيد . والطريق الثاني: الشيخ صدر الدين أبو الحسن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حموية الجويني ، قال : ألبسنيها الشيخ عماد الدين أبو الفتح أبو حفص عمر بن علي بن شيخ الشيوخ أبي عبد الله بن حموية وهو ممن صحب الشيخ أبا علي الفضل بن محمد العاقدي وهو صحب شيخ وقته الشيخ عبد الله بن علي الطوسي عرف بكركان وهو صحب أبا عثمان سعد بن سلام المصري وهو صحب أبا عمرو محمد بن إبراهيم الزجاجي النيسابوري وهو صحب شيخ الطائفة أبي القاسم محمد الجنيد . الطريق الثالث : الشيخ الرباني شهاب الدين أبو حفص وأبو عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد البكري السهروردي ،  قال : ألبسنيها عمي شيخ الإسلام أبو النجيب ضياء الدين عبد القاهر بن عبد الله بن محمد السهروردي ، قال: ألبسنيها عمي الشيخ وجيه الدين عمر بن محمد يعرف بعموية ، قال ألبسنيها الشيخان : أحدهما : والدي محمد بن عموية عن الشيخ أحمد الأسود الدينوري عن ممشاد الدينوري عن شيخ الطائفة الجنيد عن خاله السقطي عن معروف الكرخي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام. والثاني: أخروج الدركاني عن أبي العباس النهاوندي عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن خفيف عن شيخ الطائفة أبي القاسم الجنيد عن خاله السقطي عن معروف الكرخي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام . فانتهى أمر الخرقة والطريقة من جميع المشايخ إلى علي عليه السلام وأولاده الطاهرين عليهم السلام)([5]).

إن صوفية الشيعة نسبوا جذور التصوف للأئمة عليهم السلام إضفاءً للشرعية عليه ، وتخفيفاً من وطأة النقاد عليهم من الشيعة ، وما حكاية الخرقة ـــ التي لا وجود لها في المصادر ـــ ونسبتها للأئمة عليهم السلام إلا في سبيل ذلك ، كما كان من ديدنهم وضع الأخبار التي تصب في تأييد متبنياتهم .

وأما صوفية العامة فيقولون أنه نشأ عند مشايخهم من العامة ولم ينسبوا جذور التصوف إلى الأئمة عليهم السلام ، مثل عبد الكريم القشيري (ت:465هـ) في رسالته المشهورة يقول : (انفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مع اللّه تعالى ، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف ، واشتهر هذا الاسم بهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة)([6]).

ومن غرائب الأمور أن الأئمة عليهم السلام ذموا الصوفية وحذروا منهم ، ومع ذلك صوفية الشيعة ينسبون جذوره إليهم ! وقد بسطت الكلام حول ذلك في كتاب : (التصوف والعرفان) ، كما أنه يوجد خبر يدل على أن التصوف نشأ عند المخالفين حيث يدل بدلالة واضحة على أن أصل الصوفية هم من المخالفين إذ ورد فيه : (والصوفية كلهم من مخالفينا) وإليك الخبر كاملاً كما روا الحر العاملي في الاثنا عشرية نقلاً عن حديقة الشيعة : روى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب أنه قال : كنت مع الهادي علي بن محمد عليهما السلام في مسجد النبي صلى الله عليه وآله فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري كان رجلاً بليغاً وكانت له منزلة عنده عليه السلام ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا في ناحية مستديرا وأخذوا بالتهليل فقال عليه السلام لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين فإنهم خلفاء الشيطان ومخربوا قواعد الدين يتزهدون لراحة الأجسام ويتهجدون لصيد الأنعام يتجوعون عمراً حتى يديخوا للإيكاف حمراً([7]) لا يهللون إلا لغرور الناس ولا يقللون الغذاء إلا لملأ العساس([8]) واختلاس قلوب الدفناس([9]) ، يكلمون الناس بإملائهم في الحب ويطرحون بإذلالهم في الجب([10]) أورادهم الرقص والتصدية([11]) ، وأذكارهم الترنم والتغنية فلا يتبعهم إلا السفهاء ولا يعتقدهم إلا الحمقى  فمن ذهب إلى زيارة أحدهم حياً وميتاً فكأنما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان([12]) ومن أعان أحداً منهم فكأنما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان  فقال له رجل من أصحابه وإن كان معترفاً بحقوقكم ؟ قال فنظر إليه شبه المغضب وقال دع ذا عنك من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا أما تدري أنهم أخس طوايف الصوفية والصوفية كلهم مخالفونا وطريقتهم مغايرة لطريقتنا وإن هم إلا نصارى أو مجوس هذه الأمة أولئك الذين يجهدون في إطفاء نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون([13]).

والمهم من ذلك كله والمؤاخذة الجلية على ابن أبي جمهور الأحسائي هو إقراره بنسبة الخرقة لأمير المؤمنين وللأئمة عليهم السلام مع أنه مما لا أثر ولا خبر له في المصادر ، وإنما هي من موضوعات الصوفية التي أخذها على نحو المسلمات.

ويقول الحر العاملي في بطلان نسبة طريقة الصوفية إلى الأئمة عليهم السلام : (فإن قلت : أهل التصوف ينقلون طريقتهم عن الأئمة عليهم السلام نقلاً متصلاً بأمير المؤمنين عليه السلام وقد نقل ذلك حتى الشيعة في كتب الكلام.قلت : هذا لا يدل على صحة طريقتهم بل هو دال على بطلانها لأنهم ذكروا أن كل قسم وأهل كل علم وصناعة ومذهب ينتسبون إلى علي عليه السلام وينسبون مذهبهم وصناعتهم إليه ولم يثبت انتساب الصوفية ونحوهم ولا ترى لذلك ذكراً في نهج البلاغة ولا غيره وقد ذكروا في هذا المقام أن المعتزلة والأشاعرة وأصحاب المذاهب الأربعة كلهم ينتسبون إلى علي عليه السلام وينتهي علمهم إليه وهل يدل ذلك على صحة دعوى الجميع ؟! فيلزم اجتماع النقيضين وكون الحق في طرفين ولا يخفى أن ذكر الصوفية وغيرهم في مقابلة الإمامية دال على مباينتهم لهم وخروجهم عنهم

وبطلان دعواهم)([14]).

ويقول السيد محمد صادق الروحاني : (مذهب التشيع بريء من التصوف والمتصوفة براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام ، وقد صدرت عن أئمة الشيعة الاثني عشر عليهم السلام روايات كثيرة في ذم الصوفية جمعها الشيخ الحر العاملي قدس سره في كتابه القيّم الاثنا عشرية في الرد على الصوفية فلتراجع هناك غاية ما في الأمر أن المتصوفة يدّعون رجوع منهجهم الروحي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فأوجب ذلك توهم صلتهم بالتشيع الذي يدين بالإمامة لأمير المؤمنين عليه السلام ، حالهم في ذلك حال المعتزلة الذين ادّعوا رجوع مدرستهم الفكرية إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فأوجب ذلك أيضاً توهم صلتهم بالتشيع ، والحال أن التشيع لا صلة له بأي منهما)([15]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1251.

[2] ) من خرافات الصوفية ومختلقاتهم حكاية الخرقة وإرجاع أمرها لأمير المؤمنين عليه السلام ، وللأحسائي كلام في تعريف الخرقة حيث يقول في المجلي : (لبس هذه الخرقة بهذه الصورة نبينا صلى الله عليه وآله توجه الله تعالى بها. فلما رجع من المعراج ألبسها علياً عليه السلام بإذن الله وأمره، وكان يلبسها ويرقعها رقعة رقعة حتى قال : (لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها) ، وألبسها علي بعده لابنه الحسن عليه السلام، ثم الحسين عليه السلام ، ثم أولاد الحسين كانوا يلبسونها بعضهم بعضاً إلى أن وصلت إلى المهدي عليه السلام خاتم الختم . والآن هي عنده مع ذي الفقار ودراعة النبي صلى الله عليه وآله وسيفه وعصابته ودُلدُله وخاتم سليمان وعصا آدم وموسى والطشت والتابوت والجفر والجامعة ومصحف فاطمة الذي طوله سبعين ذراعاً فيه كل ما يجري إلى يوم القيامة بخط علي وإملاء النبي ، فهو عليه السلام اليوم قطب زمانه وإمام وقته وخليفة عصره ، وسيظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، كما نطقت به الأخبار ورواه سائر العلماء.واعلم أنه ليس المراد بهذه الخرقة تلك الخرقة بعينها، بل المراد شرائط الخرقة على الوجه الذي لبسها النبي صلى الله عليه وآله من يد جبرئيل وهي الخرقة المعنوية وهي عبارة عن أخذ المعنى عن صاحب المقام بقدر الاستعداد والاتصاف بصفاته والتخلق بأخلاقه. ولذلك تقول المشايخ من الصوفية: هي التشبه والصحبة واللبس والتلقي وهو راجع إلى الصورة والمعنى ، ويعبر عن المعنوية بالفقر وعن الصورية بالخرقة).مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1257.

إن قول أمير المؤمنين عليه السلام : (لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها) مروي في نهج البلاغة،ج2،ص60.وأما أن جبرئيل عليه السلام ألبس الخرقة لرسول الله صلى الله عليه وآله ، ورسول الله ألبسها أمير المؤمنين عليه السلام وهو ألبسها الحسن والحسين عليهما السلام  ثم أولاد الحسين كانوا يلبسونها بعضهم بعضاً إلى أن وصلت إلى المهدي عليه السلام فهذا مما لا مصدر له ولا أثر في المصادر ، وإنما من مختلقات الصوفية التي يتطلب التنبه إليها ومعرفة وجه الافتراء فيها.

[3] ) يقصد السيد حيدر الآملي الذي هو من صوفية القرن الثامن الهجري . وما ذكره الآملي هو في كتابه المقدمات من نص النصوص،ص220،وفي المحيط الأعظم،ج1،ص520.والآملي بسبب تأثره بالتصوف وقع في هفوات متعددة أشرت إلى بعضها في كتاب (التصوف والعرفان) تحت عنوان : (وقفات مع السيد حيدر الآملي) .

[4] ) لا يوجد مصدر يقول بأن الإمام الرضا عليه السلام ألبس الخرقة لمعروف الكرخي.

[5] ) مجلي مرآة المنجي،ج4،ص1262.

[6] ) الرسالة القشيرية،ص17.

[7] ) داخ يديخ ديخا وديخه هو : ذلله . لسان العرب،ج3،ص16.

الإكاف والأكاف من المراكب شبه الرحال والأقتاب وزعم يعقوب أن همزته بدل من واو وكاف ووكاف والجمع آكفة وأكف كإزار وآزرة وأزر غيره أكاف الحمار وإكافه ووكافُه ووُكافه والجمع أكف وقيل في جمعه وكف وأنشد في الأكاف لراجز إن لنا أحمرة عجافاً يأكلن كل ليلة أكافاً أي يأكلن ثمن أكاف أي يباع أكاف ويُطعه بثمنه ومثله نطعمها إذا شتت أولادها أي ثمن أولادها ومنه المثل تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها أي أجرة ثدييها وآكف الدابة وضع عليها الإكاف كأوكفها أي شد عليها الإكاف .لسان العرب،ج9،ص8.

ويقول أبو الفيض الزبيدي : الإِكاف . قال شيخنا : ظاهره أن الإكاف يكون للإبل ويأتي له في أكف أنه خاص بالحُمُر وهو الذي في أكثر الدواوين كما سيأتي هناك وبالتحريك أكثر في الاستعمال . وفي النهاية في حديث عائشة لا تمنع المرأة نفسها من زوجها وإن كانت على ظهر قتب .القتب للجمل كالإكاف لغيره . ومعناه الحث لهن على مطاوعة أزواجهن وأنه لا يسعهن الامتناع في هذه الحال فكيف في غيرها . وقيل : إن نساء العرب كن إذا أردن الولادة جلسن على قتب ويقلن إنه أسلس لخروج الولد فأرادت تلك الحالة . قال أبو عبيد : كنا نرى أن المعنى : وهي تسير على ظهر البعير فجاء التفسير بعد ذلك القتب للبعير كما في المصباح والمحكم.والإكاف للحمير . وفي الخلاصة أنه عام في الحمير والبغال والإبل.تاج العروس،ج2،ص303.

[8] ) العُسُّ : القدح الضخم .العين،ج1،ص74.

[9] ) الدِّفْنِسُ : الأحمق الدنيء وفي بعض الأصول : البذي كالدفناس . تاج العروس،ج8،ص288.

[10] ) كناية عن إيقاعهم في الضلال .

[11] ) التصدية : التصفيق والصوت . لسان العرب،ج3،ص245.

[12] ) الوثن : الصنم ، والجمع وثن . الصحاح في اللغة،ج6،ص2212.

[13] ) الاثنا عشرية،ص37،نقلا عن حديقة الشيعة.

[14] ) الاثنا عشرية،ص21.

[15] ) أجوبة المسائل،ج2،ص31.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.