(13) س : هل دليل الإمكان مفيد في مناقشة الملحدين؟
(13) س : هل دليل الإمكان مفيد في مناقشة الملحدين؟
ج : إن دليل الإمكان صيغ بأكثر من بيان ، فعلى ما ذكره السيد الطباطبائي في نهاية الحكمة : (لا ريب أن هناك موجوداً ما ، فإن كان هو أو شيء منه واجباً بالذات فهو المطلوب ، وإن لم يكن واجباً بالذات وهو موجود فهو ممكن بالذات بالضرورة ، فرجح وجوده على عدمه بأمر خارج من ذاته وهو العلة ، وإلا كان مرجحاً بنفسه فكان واجباً بالذات وقد فرض ممكناً ، وهذا خلف)([1]).
وعلى ما بيَّنه الشيخ جعفر السبحاني : (إن كل معقول في الذهن إذا نسبنا إليه الوجود والتحقق ، فإما أن يصح اتصافه به لذاته أو لا.الثاني هو ممتنع الوجود كاجتماع النقيضين.والأول : إما أن يقتضي وجوب اتصافه به لذاته أو لا . والأول هو واجب الوجود لذاته.والثاني،هو ممكن الوجود لذاته)([2]).
وحقيقة برهان الإمكان هو تقسيمٌ للوجود الذهني وتقييده بمفهومين إما واجب الوجود ــ كما يعبرون في الفلسفة لأن من يرى أسماء الله توقيفية لا يجوز نعته بأسماء لم ترد في النصوص الدينية ــ أي أوجد نفسه بذاته ، وإما غير واجب الوجود الذي يستلزم ويتطلب وجوده وجود غيره.
وأقل ما يٌقال فيه : إن الملحدين لا يقرون بحصر الوجود بمفهومين ، أي لا يذعنون ولا يسلمون بتقسيمات الوجود الذهني ، التي افترضها عليهم المقر بوجود الخالق وأخذه النتائج مسلمات في باب النقاش والجدال ، وعلى أقل تقدير هو أنهم يتوقفون ويترددون في قبوله؛لأن هذا التقسيم جاء بعد الرؤية والإيمان بوجود خالق فترضه عليه المقر بوجود إلاه.
وعند التدقيق فيه نجد رجوعه وقيمته المعرفية تعود لقانون العلية : (كل معلول مفتقر لعلة) فلم يكن برهاناً مستقلاً عن برهان وقانون العلية،أي ضرورة احتياج المعلول إلى علة من إقرار العقل بذلك.وللتوضيح أكثر : تارةً تقول للملحد العقل يقضي بأن الموجود أما هو أوجد نفسه ، أو أوجده موجود آخر كان الوجود ضرورياً له وغير محتاج إلى موجد ،وهذا الثاني هو الخالق.وهذا ينطوي على مقدمات وتقسيمات مسلمة عند المقر بوجود إلاه ولا يقر به الجاحد له.
وأخرى تقول له مباشرةً وبصورةٍ مختصرةٍ كل مخلوق (معلول) محتاج إلى خالق (علة) فهذا أخصر للطريق وأجدى في إقامة الحجة من أخذه أولاً إلى تقسيمات ومقدمات لا يقر بها الملحد ويتوقف في نقاشها.
والملاحظة الأخرى التي ينبغي التنبه إليها هو أن برهان الإمكان قيمته المعرفية تكمن في قانون العلية وليست دليلاً آخر أو دليلاً مستقلاً عن العلية ، وهو (قانون العلية) غير مختص بالفلسفة والفلاسفة ، وإنما يشترك فيه عموم العقلاء ويقر به حتى أعراب الصحراء.وحتى تقسيم الوجود الذهني إلى واجب الوجود وممكن الوجود لم يكن من مختصات أصحاب الاتجاه الفلسفي إذ هو من لحاظات وتقسيمات حكم العقل ولم يكن من مختصات فلسفة اليونان فتنبه ولا تشتبه عليك حقيقة وقيمة الأدلة المذكور في إثبات الخالق جل وعلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) نهاية الحكمة (تعليقات الزارعي)،ج2،ص212.
[2] ) الإلهيات،ج1،ص61.