(90) لماذا يتطلب منا تجنب تأويلات الفلاسفة والعرفاء للنصوص أوليست توجد أسرار ومعاني
(90) لماذا يتطلب منا تجنب تأويلات الفلاسفة والعرفاء للنصوص أوليست توجد أسرار ومعاني باطنية للنصوص؟
ج : لا ريب في وجود تأويلات ومعاني باطنية للنصوص ، ولكن الكلام في انطباق تأويلات الفلاسفة والعرفاء على الأسرار والمعاني الباطنية للنصوص ، لا أن تؤخذ تأويلاتهم أخذ المسلمات في عدها من الأسرار والمعاني الباطنية.وبعبارة مختصرة نُسلّم في وجود التأويل والأسرار للنصوص ولكن لا نسلّم أن تأويلات القوم منها.
والصوفية الأوائل ممن كانوا أبغض الناس لأهل البيت عليهم السلام وأشدهم بعداً عن منهجهم وطريقهم كانوا مغرورين بما لديهم ، ويعدونه من الأسرار فهذا ابن عربي يتحدث عن اجتماع الحسن البصري بفرقد السبخي ومالك بن دينار وحديثه معهم عن التصوف وينعته بالأسرار : (هذا الفن من الكشف والعلم يجب ستره عن أكثر الخلق لما فيه من العلو فغوره بعيد والتلف فيه قريب فإن من لا معرفة له بالحقائق ولا بامتداد الرقائق ويقف على هذا المشهد من لسان صاحبه المتحقق به وهو لم يذقه ربما قال : أنا من أهوى ومن أهوى أنا فلهذا نستره ونكتمه وقد كان الحسن البصري إذا أراد أن يتكلم في مثل هذه الأسرار التي لا ينبغي لمن ليس من طريقها أن يقف عليها دعا بفرقد السبخي ومالك بن دينار ومن حضر من أهل الذوق وأغلق بابه دون الناس وقعد يتحدث معهم في مثل هذا الفن)([1]).
إن هذه الأسرار كما يحسبها ابن عربي هي الفكر الصوفي الذي انتشر فيما بعد ذلك وأخذ يضلل المسلمين ، وإلى يومنا هذا نرى من يحسبها أسراراً جرياً على نهج ابن عربي!
كما كان الحلاج في زمانه يعده الصوفية من حملة الأسرار ؛ يقول الخطيب البغدادي متحدثاً عن الحلاج : (كان يتكلم على أسرار الناس وما في قلوبهم ويخبر عنها فسمي بذلك حلاج الأسرار فصار الحلاج لقبه)([2]).
والعلماء يعلمون أن ما لدى الفلاسفة والعرفاء من تأويل للنصوص لا قيمة له ، لأن التأويل يؤخذ من أهل البيت عليهم السلام ، وليس كل ما يخطر في الذهن من استحسانات ومعتقدات يمكن عدها من التاويل ، ناهيك عما فيها من انحرافات وأباطيل . وهذا ما أقر به السيد حيدر الآملي حيث ذكر في مقدمة كتاب جامع الأسرار أن العلماء لا يقرون بما لدى الصوفية من أسرار ، وينكرون عليهم ذلك : (أصحابنا الشيعة لا يسلمون أن هذه الطائفة المخصوصة بحمل أسرار الأئمة عليهم السلام) هم الصوفية ولا يقرون أيضاً بأن هذه الأسرار توجد في غير الأئمة وينكرون عليهم في هذه الدعوى غاية الإنكار وينسبونهم بذلك إلى الكفر والزندقة )([3]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) رسالة الفناء في المشاهدة،ص5.
[2] ) تاريخ بغداد،ج8،ص113.
[3] ) جامع الأسرار ومنبع الأنوار،ص174.