الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي(40) الأسماء الإلهية عين المسمى!!
الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي(40)
الأسماء الإلهية عين المسمى!!
إن مما نقله ابن أبي جمهور عن ابن عربي مقراً به ، غير منتقد له هو قول ابن عربي إن الأسماء الإلهية عين المسمى : (إن الله تعالى وصف نفسه بالنفس وأن الأسماء الإلهية عين المسمى، وليست إلا هو)([1]).
إن الأسماء والصفات ذات دلالات حاكية عن الله عز وجل فهي غيره ، والمعبود هو سبحانه وتعالى دون أسمائه وصفاته أي أن المعبود هو الله تعالى المسمى بها (مسمى بالأسماء والصفات) ، كما أن الاعتقاد باستقلالها (الأسماء والصفات) عن الله تعالى من الشرك وهذا ما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام :
عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أو قلت له : جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد ؟ قال : فقال : إن من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء إن الأسماء صفات وصف بها نفسه([2]).
عن الإمام الصادق عليه السلام : (هو الرب وهو المعبود وهو الله وليس قولي : (الله) إثبات هذه الحروف ألف ، لام ، هاء ، ولكني أرجع إلى معنى هو شيء خالق الأشياء وصانعها وقعت عليه هذه الحروف ، وهو المعنى الذي يسمى به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه وهو المعبود عز وجل)([3]).
وعنه عليه السلام : (اسم الله غيره ، وكل شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله فأما ما عبرته الألسن أو عملت الأيدي ، فهو مخلوق ، والله غاية من غاياته والمغيى غير الغاية ، والغاية موصوفة وكل موصوف مصنوع وصانع الأشياء غير موصوف بحد([4]) مسمى ، لم يتكون فيعرف كينونيته بصنع غيره ، ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره ، لا يزل([5]) من فهم هذا الحكم أبداً ، وهو التوحيد الخالص ، فارعوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك لأن حجابه ومثاله وصورته غيره وإنما هو واحد متوحد فكيف يوحده من زعم أنه عرفه بغيره،وإنما عرف الله من عرفه بالله ، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنما يعرف غيره ، ليس بين الخالق والمخلوق شيء ، والله خالق الأشياء لا من شيء كان ، والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره)([6]).
عن النضر بن سويد ، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله مما هو مشتق ؟ قال : فقال لي : يا هشام الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام ؟ قال : فقلت : زدني قال : إن لله تسعة وتسعين اسماً فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره ؟ قلت : نعم ، قال : فقال : نفعك الله به وثبتك يا هشام ، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا([7]).
وعنه عليه السلام : (من عبد الله بالتوهم فقد كفر ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام حقاً . وفي حديث آخر : أولئك هم المؤمنون حقا)([8]).
وعنه عليه السلام : (وقد قال القائل من الناس للواحد : واحد ، (ويقول للّه : واحد)، ويقول : قوي ، واللّه تعالى قوي ، ويقول : صانع ، واللّه صانع ، ويقول : رازق ، واللّه رازق ، ويقول : سميع بصير ، واللّه سميع بصير ، وما أشبه ذلك ، فمن قال للإنسان : واحد ، فهذا له اسم وله شبيه ، واللّه واحد وهو له اسم ولا شيء له شبيه وليس المعنى واحداً ؛ وأما الأسماء فهي دلالتنا على المسمى ؛ لأنا قد نرى الإنسان واحداً ، وإنما نخبر واحداً إذا كان مفرداً ، فعلم أن الإنسان في نفسه ليس بواحد في المعنى ؛ لأن أعضاءه مختلفة وأجزاءه ليست سواء ، ولحمه غير دمه ، وعظمه غير عصبه ، وشعره غير ظفره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر الخلق والإنسان ؛ واحد في الاسم ، وليس بواحد في الاسم والمعنى والخلق ، فإذا قيل للّه فهو الواحد الذي لا واحد غيره لأنه لا اختلاف فيه ، وهو تبارك وتعالى سميع وبصير وقوي وعزيز وحكيم وعليم ، فتعالى اللّه أحسن الخالقين)([9]).
ومن دعاء لأمير المؤمنين عليه السلام : (ولا تجعلني يا إلهي ممن يعبد الاسم دون المعنى)([10]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) مجلي مرآة المنجي،ج5،ص1727.فصوص الحكم (شرح القيصري)،ص767
[2] ) أصول الكافي،ج1،ص87.
[3] ) التوحيد،ص245.
[4] ) قوله عليه السلام : (غير موصوف بحد) أي من الحدود الجسمانية أو الصفات الإمكانية ، أو الحدود العقلية ، وقوله : مسمى صفة لحد ، للتعميم كقوله تعالى :[لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً] ويحتمل أن يكون المراد أنه غير موصوف بالصفات التي هي مدلولات تلك الأسماء ، وقيل: هو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف.مرآة العقول،ج2،ص33.
[5] ) قوله عليه السلام : (لا يزل) في بعض النسخ بالذال ، أي ذل الجهل والضلال من فهم هذا الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه ، وعلم أن كلما يصل إليه أفهام الخلق فهو غيره تعالى .مرآة العقول،ج2،ص33.
وعلى ما يبدو أن المراد : (يزل) من الزلل . أي من فهم هذا الحكم لا يصيبه الزلل فيه.
[6] ) أصول الكافي،ج1،ص113.
[7] ) أصول الكافي،ج1،ص87.
[8] ) أصول الكافي،ج1،ص87.
[9] ) الإهليلجة،ص152.
[10] ) بحار الأنوار،ج91،ص96.