الاستشهاد بالنصوص الدينية بخلاف معناها

الاستشهاد بالنصوص الدينية بخلاف معناها
إن الاستشهاد بالنصوص الدينية أمر ضروري في إثبات أساسيات البحث وإضفاء البعد العلمي على محتواه ، ولكن إذا ما أريد الاستشهاد بالنص الديني لا بد من معرفة المعنى المراد منه حتى يتسنى الاستدلال به ويذكره شاهداً في محله على النحو الصحيح ؛ لأنه إذا لم يعرف معناه أو يعرف له معنى غير صحيح ستجده يورده في غير موضعه مغيراً لمعناه ومحرفاً لمغزاه . والأمثلة ليست قليلة فخذ على سبيل المثال ما يُنقل : من أحبَ أمير المؤمنين عليه السلام فليستعد للفقر ويفسرونه بالفقر الدنيوي ، مع أن المقصود هو فقر يوم القيامة كما روي في معاني الأخبار : قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : حديث يروى أن رجلا قال لأمير المؤمنين عليه السلام : إني احبك. فقال له : أعد للفقر جلبابا. فقال : ليس هكذا قال : إنما قال له : أعددت لفاقتك جلبابا يعني يوم القيامة([1]).
أو مثل التفسير الخاطئ لخبر أكثر أهل الجنة البله مع أن تفسيره ورد في نفس تتمة الخبر حيث روي عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال النبي صلى الله عليه واله : دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها البله ، قلت : ما البله ؟ فقال : العاقل في الخير([2])، الغافل عن الشر ، الذي يصوم في كل شهر ثلاثة أيام([3]).
أو نظير ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (اعملوا فكل ميسر لما خلق الله) وهو من الأحاديث التي وظفت توظيفاً خاطئاً ، ودلل من خلاله على معاني باطلة ؛ لأنه من الأحاديث التي يكتنفها الغموض ولا دلالة قطعية فيه على معناه . والحمد لله الذي منَّ علينا بأئمة الهدى صلوات الله عليهم إذ لولاهم ما عرفنا معاني الكثير من الآيات ولا الأحاديث النبوية ، وقد أوضح المعنى المراد من النبوي الشريف الإمام الكاظم عليه السلام حيث سأل محمد بن أبي عمير الإمام عليه السلام : ما معنى قوله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله : (اعملوا فكل ميسر لما خلق الله) ؟ فقال عليه السلام : إن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه ، وذلك قوله عز وجل : [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ]([4])فيسر كلا لما خلق له ، فالويل لمن استحب العمى على الهدى([5]).
ويمكن مراجعة الكتب التي تطرقت لشرح الأخبار ، ومن أهم تلك الكتب :
1 ــ معاني الأخبار للشيخ الصدوق رحمه الله.
2 ــ روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه الشيخ محمد تقي المجلسي والد صاحب البحار رحمهما الله.
3 ــ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للعلامة المجلسي رحمه الله.
4 ــ ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار للعلامة المجلسي رحمه الله.
5 ــ شرح أصول الكافي : للشيخ محمد صالح المازندراني رحمه الله .
6 ــ مجمع البحرين لفخر الدين الطريحي رحمه الله. وهو من كتب اللغة إلا أنه تضمن شرح الكثير من الأحاديث.
7 ــ النهاية في غريب الحديث والأثر لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري. وهذا الكتاب له حيز كبير في مجال شرح الحديث لدى علماء المسلمين بصورة عامة وإن كان مصنفه من العامة.
ومن الأمور التي يجدر الالتفات إليه أن بعض الأحاديث مجملة ولا دلالة قطعية أو ظاهرة فيها على معنى معين ولذا كان ما يذكره الشراح على نحو الاحتمال.بل إن بعض الأحاديث لم يفهمها الرواة المباشرون للأئمة عليهم السلام لولا السؤال من الإمام وبيانه لهم . وهذه نماذج من الأحاديث التي لم يفهمها الرواة المباشرون لها لولا بيانات الأئمة عليهم السلام:
1 ــ عن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : المؤمن من آمن جاره بوائقه ، قلت : وما بوائقه ؟ قال : ظلمه وغشمه([6])([7]).
2 ــ عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : ما الكبر ؟ فقال : أعظم الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس ، قلت : وما سفه الحق قال : يجهل الحق ويطعن على أهله([8]).
3 ــ عن الإمام الصادق عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى ليبغض اللحم واللحم السمين فقال له بعض أصحابه : يا بن رسول الله إنا لنحب اللحم وما تخلو بيوتنا منه فكيف ذلك ؟ فقال عليه السلام : ليس حيث تذهب إنما البيت اللحم الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة وأما اللحم السمين فهو المتجبر المتكبر المختال في مشيته([9]).
هشام كاظم
للتواصل من خلال صفحة الفيس:
https://www.facebook.com/rqesad/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) معاني الأخبار،ص182.
[2] ) في بعض النسخ : (العامل في الخير) .
[3] ) معاني الأخبار،ص203.
[4] ) سورة الذاريات : 56.
[5] ) توحيد الصدوق،ص356.
[6] ) أصول الكافي،ج2،ص668
[7] ) الغشم : الظلم.الصحاح في اللغة،ج5،ص1996 . ويقول أبو هلال العسكري (ت:395هـ) الفرق بين الغشم والظلم : أن الغشم كره الظلم وعمومه توصف به الولاة لأن ظلمهم يعم ، ولا يكاد يقال غشمني في المعاملة كما يقال ظلمني فيها وفي المثل وال غشوم خير من فتنة تدوم ، وقال أبو بكر : الغشم اعتسافك الشيء، ثم قال يقال غشم السلطان الرعية يغشمهم، قال الشيخ أبو هلال رحمه الله: الاعتساف خبط الطريق على غير هداية فكأنه جعل الغشم ظلما يجري على غير طرائق الظلم المعهودة.الفروق اللغوية،ص385.
[8] ) أصول الكافي،ج2،ص311.
[9] ) عيون أخبار الرضا،ص281.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.