لا بد من إعلام متميز في القنوات الشيعية
مقطع فديو لأحد أساتذة الحوزة في النجف الأشرف يقول فيه : أحد علماء العامة يقول الشيعة أصحاب فكر ومن بعد سقوط صدام أصابني الذعر لأن الشيعة سيفتحون فضائيات ينشرون فيها فكرهم ولكن بعد ما افتتحوا فضائياتهم رأيتها ليست بالمستوى المطلوب.ثم يضيف ذلك الأستاذ أن الفضائيات فشلت ولم تقدم برامج ناجحة تستقطب الناس كبرنامج فاضل السامرائي (برنامج يفسر القرآن تفسيراً لغوياً وبلاغياً) ومثل برنامج محمد متولي الشعراوي ويواصل كلامه لدينا في الحوزة العشرات من أمثال السامرائي والعشرات من أمثال الشعراوي إلا أن الفضائيات لم تفسح المجال لهم وكانت البرامج قائمة فيها ليست على نحو الكفاءة وإنما على التحزب والصداقة والمعارف.
وما أريد قوله معقباً على كلامه أن من لديه الكفاءة على تقديم برنامج ناجح عليه أن لا ينتظر الفضائيات لأن الإعلام في وقتنا لم يكن مقتصراً عليها فيمكنه تصوير حلقات ولو بكاميرا النقال ونشرها على مواقع التواصل أو إرسالها للقنوات لأن بعض أصحابها إذا رؤوا الحلقات مميزة تستقطب الجمهور لم يترددوا بعرضها ولو من أجل الارتقاء بالبرامج التي يقدمونها وبعدها يجلب نظر الفضائيات إليه وقد رأيت بعض المشايخ أخذ حيزاً في الفضائيات وصارت له حلقات فيها من خلال ما قدمه على مواقع التواصل،ولربما لو عرضها على منصات التواصل لكانت أكثر مشاهدة من نقلها على الفضائيات بسبب كثرة متابعيه.
وبكلمة مختصرة سوء إدارة الفضائيات لا يدعو للتقاعس ونهاية كل شيء.
وهنا أضع كلمة موجزة بين يدي فضلاء الحوزة وطلبتها عموماً وأنا من أقلهم،كلمة بريئة وجريئة بقدر ما تحمل من مسؤولية وألم:
بعد عشرين سنة من سقوط نظام المجرم صدام لم تتمكن من افتتاح فضائية واحدة تتناسب مع مكانة الحوزة المباركة وتاريخ علمائها المشرف الممتد لقرون من التضحية والتفاني في الذب عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ولم نتمكن أيضا من إيجاد برنامج واحد يصد الهجمة الشرسة على المذهب قبل سنوات حينما بدأت تظهر القنوات المخالفة للعلن، برنامج قائم على البرهان والحوار بالتي هي أحسن حيث كنا أشبه ما يكون بالوادي الآخر الذي لا يعنينا هذا الأمر شيئاً ، يا ترى أين نحن مما فعله الأعلام الثلاثة آغا بزرك الطهراني والسيد حسن الصدر والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء تجاه اتهام جرجي زيدان الشيعة بأنهم طائفة صغيرة لم تترك أثراً يُذكر فانبرى له هؤلاء الأعلام (رحمهم الله) حيث كان الباعث على تأليف الذريعة وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ونقد كتاب : (تاريخ آداب اللغة العربية) هو كلمة جرجي زيدان إذ جاء في مجلة الهادي السنة الرابعة العدد الخامس الذي صدر عام 1396هـ الموافق 1976م:
كان الباعث على تأليف الذريعة هو ما ذكره جرجي زيدان المتوفى عام 1914عن عمد أو غير عمد [أنا لا أتصور كيف يكون بدون غرض ما يصدر عن إنسان كجرجي زيدان بما لديه من الإطلاع الواسع وهو يصدر آرائه حو الشيعة وآثارهم] في كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية) حينما تحدث عن الشيعة فقال ما خلاصته:الشيعة طائفة صغيرة لم تترك أثراً يُذكر وليس لها وجود في الوقت الحاضر؛فدفع هذا القول بالشيخ آغا بزرك ورفيقيه في العلم السيد حسن الصدر المتوفى عام 1354هـ والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء المتوفى عام 1373هـ أن يتعاهدوا ويأخذ كل واحد منهم على عاتقه بيان جانب من جوانب الثقافة الشيعية الغنية والتعريف بالطائفة الشيعة ويردوا كلام هذا الكاتب المُعرض إلى فيه . وقد تقرر أن يبحث العلامة السيد حسن الصدر حول الآثار العلمية الشيعية وبيان فضل الشيعة وسهمهم في تأسيس علوم الإسلام وظهرت ثمرة بحثه في كتابه (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام) الذي طبع بمساعدة الشيخ آقا بزرك سنة 1370هـ في 445صفحة.أما العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء فقد تقرر أن يكتب نقداً لكتاب جرجي زيدان (تاريخ آداب اللغة العربية) ويكشف عن كل اشتباهاته.وقد نفذ (رحمه الله) هذه المهمة،فكتب نقداً علمياً جامعاً للكتاب بمجلداته الأربع وأرجع اشتباهاته كلها إلى أصولها والفت نظر المؤلف إلى كل ما وقع فيه من أغلاط بما في ذلك الأغلاط الإملائية.ولكنه ــ رحمه الله ــ في نفس الوقت وعملا بالآية الشريفة:[وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ] لم يبخس المؤلف حقه وأثنى عليه لما بذله من جهد في تأليف الكتاب…وأما الشيخ آقا بزرك فقد تعهد ــ من بين هؤلاء الثلاثة ــ أن يكتب فهرستا يجمع فيه أسماء كل مؤلفات الشيعة .مجلة الهادي العدد الخامس السنة الرابعة،ص91ـ92والمقال لمحمد رضا حكيمي.
وفي الواقع جهاد حوزة النجف الأشرف أعظم مما يبلغه ثنائي ويسعه استقرائي وما ذكرته شاهداً لشحذ الهمم والخروج بالحوزة إلى فضاء أوسع مما نحن فيه إذ رجالات الحوزة ما بين أستاذ وخطيب ومؤلف وإمام جماعة وهذه كلها لا بد منها وضرورتها فوق الإشارة إليها ونريد مضاف إلى كل ذلك طرح الفكر من خلال فن يلفت الأنظار ويستقطب القاصي والداني.
وللتوضيح أكثر الفكرة الواحدة يمكن طرحها من خلال الاستعارة والكناية والتشبيه أو من خلال الشعر وتارة مجردة صلداء عن كل معنى يدب الحياة في محياها ثم تمجها الأسماع قبل الأذهان.
ولربما تقول أطلت ولم أفهم ما تريد؟! فإذا كنت تقصد الأسلوب البلاغي فهو غير خاف على الطلبة في الحوزة وهم يدرسون شرح المختصر والمطول.. ولم تكن خافية عليهم فنون البلاغة في خطاباتهم ومؤلفاتهم.
وأقول لك : لم أقصد الأسلوب البلاغي فحسب وإنما أعم من ذلك فهل شاهدت البرامج التفلزيونية العالمية والعربية الناجحة كيف أنها استقطبت جمهوراً غفيراً وأثرت فيهم؟!
فهل يمكننا طرح فكرنا على غرار هذه البرامج ونستقطب الناس ؟! أم نكتفي بالطرح المنبري ؟ ولست بصدد الانتقاص من الطرح المنبري وإنما يتطلب منا طرحاً آخر حيث طرح الأفكار لم يقتصر على الطرح الخطابي.
وهذا يحتاج إلى أفراد يمتلكون مهارة خاصة إلى جنب رصانة المعلومة ولربما رأيت في حياتك بعض الأساتذة ينتهي وقت الدرس وما كان بودك ينتهي من كلامه وبعض الأشخاص ينتهي من بيان مراده وما بودك ينقطع من كلامه وكأن لبيان الكلام أمراء اختصوا به كما كان للشعر أمراء امتازوا به وهذا واحد من أسباب نجاح تلك البرامج العالمية والعربية ودونك البرنامج المصري…الذي يلتقي بمشاهير الفنانين كيف أنه اشتهر وذاع صيته فهل كانت سيرة العلماء والأفاضل في حوزتنا المباركة أقل من سيرة هؤلاء حتى عجزنا عن برنامج نظير له؟!
ومثل برنامج أيمن زيدان وجورج قرداحي اللذين اشتهرا على نطاق العالم العربي مع كونهما لم يخرجا عن حيز السؤال والجواب إلى غيرها من البرامج التي كان لنجاحها عدة عوامل إضافية خارجة عن أصل الفكرة والمضمون.
ومثال آخر الروايات الأدبية كثيرة ولكن كم هي التي استطاعت أن تشق طريقها إلى العالم وتترجم إلى عدة لغات بسبب تحكمها بمشاعر القارئ تشرق به تارة وتغرب أخرى كيف ما شاءت وتسري إلى نفوس القراء البهجة حيثما شاءت وتفتك بهم أخرى،وما ذاك إلا بسبب شدة سطوة الكاتب على القارئ الذي يجعله أسيراً بين يديه ودونك علي شريعتي وعلي الوردي كيف يحتالان على القارئ بألف حيلة وحيلة لإقناعه بالسراب الخادع الذي لا يمت للواقع بصلة ونحن نريد إخضاعهم لحق له واقع من خلال أدوات الفن والتطويع كالسحر الذي يكون على بعض البيان والحكمة التي تكون على بعض الشعر ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله:(إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا) من لا يحضره الفقيه،ج4،ص379
وأتصور نحتاج إلى متخصصين في الفن والإعلام نضيف خبرتهم إلينا كي نتطلع إلى أفق أوسع في الطرح وتقديم برامج تلفت الأنظار من قبل أن نكون على هامش الحياة ويختفي صوتنا من صدى الإعلام.
ولا بد من تكاتف جهود الحوزويين وغيرهم من المؤمنين ممن يهمهم نشر فكر أهل البيت عليهم السلام وإعلاء صوت المذهب ويمكنهم الإبداع في هذا الجانب كل حسب تخصصه ومعرفته ولم يكن مختصاً ذلك بالحوزويين ولم يقع اللوم عليهم لوحدهم.