خرافات فلسفية (2) خرافة تسمية الفلسفة بالحكمة

خرافة تسمية الفلسفة بالحكمة
الفلسفة كلمة يونانية وتعني : (حب الحكمة) والفلاسفة يطلق عليهم لقب : (الحكماء) وأيضا لقب : (الحكماء الإلهين) . وبكل تأكيد فلسفة اليونان ـــ التي هي عبارة عن مصطلحات وأفكار تمثل رؤى أصحابها ـــ ليست هي الحكمة المشار إليها في القرآن الكريم والسنة الشريفة إذ روي عن رسول الله ص : (رأس الحكمة مخافة الله عز وجل)([1]).
وعنه ص : (أشرف الحديث ذكر الله ورأس الحكمة طاعته)([2]).
وعن أمير المؤمنين ع : (ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه)([3]).
(أول الحكمة ترك اللذات وآخرها مقت الفانيات)([4]).
(حد الحكمة الإعراض عن دار الفناء والتوله بدار البقاء)([5]).
(حفظ الدين ثمرة المعرفة ورأس الحكمة)([6]).
(رأس الحكمة تجنب الخدع)([7]).
(رأس الحكمة لزوم الحق وطاعة المحق)([8]).
(كلما قويت الحكمة ضعفت الشهوة)([9]).
وعن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله ع عن قول الله : [وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا]([10])فقال : إن الحكمة المعرفة والتفقه في الدين ، فمن فقه منكم فهو حكيم ، وما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من فقيه([11]).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قول الله عز وجل : [وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا] فقال طاعة الله ومعرفة الإمام([12]).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال : سمعته يقول [وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا]([13])قال : معرفة الإمام واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار([14]).
وعن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله : [وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا]([15])فقال إن الحكمة المعرفة والتفقه في الدين فمن فقه منكم فهو حكيم ، وما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من فقيه([16]).
وعنه ع : (من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه)([17]).
ولا تنافي في الأحاديث إذ تارة يُذكر مصداق الحكمة المناسب في المقام بلحاظ معين ، أو بالإضافة والنسبة لما قبله ، أو من حيث النظر للحكمة بما هي حقيقة،أو من حيث أسبابها ونتائجها ولوازمها ؛ فمن مصاديق الحكمة معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة الإمام أو لنقل من حيث هي معرفة الله ومعرفة الإمام، ويمكن التعبير من حيث العموم معرفة الله ومن حيث الخصوص معرفة الإمام ، وإذا ما نظرنا للحكمة من حيث أسبابها فهي طاعة الله عز وجل وطاعة الإمام ع ، ويمكن أن تكون طاعة الله والإمام باعتبار معين من ثمار الحكمة ورأسها إذا ما قلنا المعرفة هي الحكمة ، كما روي أول ما خلق الله نور النبي’ . وورد أيضا : روح النبي ص . وروي : أول ما خلق الله العرش . وروي : القلم . وروي العقل . وروي : الماء . وروي : الهواء . وروي : المشيئة.
وأيضا كلمات الأعلام تبعا لحديث أهل البيت ع فصَلوا بين الحكمة والفلسفة وبينوا أن المراد من الحكمة في القرآن الكريم والحديث الشريف غير الفلسفة :
العلامة المجلسي :
يقول العلامة المجلسي رحمه الله (ت1111هـ) : إني لما ألفيت أهل دهرنا على آراء مشتّتة وأهواء مختلفة قد طارت بهم الجهالات إلى أركانها ، وقاصت بهم الفتن في غمارها ، وجذبتهم الدواعي المتنوّعة إلى أقطارها وحيّرتهم الضلالة في فيافيها وقفارها . فمنهم من سمّى جهالة أخذها من حثالة من أهل الكفر والضلالة لشرايع النبوة وقواعد الرسالة حكمة([18]).
السيد محمد مهدي بحر العلوم :
يقول السيد رحمه الله (ت:1212هـ) : وبين من سمى جهالة اكتسبها من رؤساء الكفر والضلالة المنكرين للنبوة والرسالة حكمة وعلما ، واتخذ من سبقه إليها أئمة وقادة ، يقتفى آثارهم ويتبع منارهم ، يدخل فيما دخلوا وإن خالف نص الكتاب ، ويخرج عما خرجوا وإن كان ذلك هو الحق الصواب ، فهذا من أعداء الدين ، والسعاة في هدم شريعة سيد المرسلين ، وهو مع ذلك يزعم أنه بمكان مكين ، ولا يدري أنه لا يزن عند الله جناح بعوض مهين([19]).
السيد شهاب الدين المرعشي النجفي :
يقول السيد رحمه الله (ت:1411هـ) : ليس المراد من الحكمة في الآية الشريفة والخبر المومي إليه الفلسفة التي هي تراث اليونانيين ولا الغربية التي أهدتها إلينا الأورباويون ، بل المراد العلم الذي به حياة الأرواح وشفاءها من الأسقام ، وهل هي إلا العلوم الدينية الإسلامية والمعتقدات الحقة وأسرار الكون بشرط اتخاذها عن الراسخين في العلم الذين من تمسك بذيلهم فقد نجى ، كيف ؟ وعلومهم مستفادة من المنابع الإلهية ، واستنارت من أنوار الأنبياء والمرسلين والسفراء المقربين ، فهي التي لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار . ولله در العلامة المحقق خادم علوم الأئمة الهداة المهديين المولى محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي ثم القمي (قده) حيث أبان الحق في كتابه الموسوم بحكمة العارفين وأثبت أن الحكمة الحقة هي المتخذة عن آل الرسول ’ لا ما نسجته النساجون والحيكة التي تتبدل بتلاحق الأفكار والأزمنة([20]).
ويقول السيد المرعشي رحمه الله أيضا : إن علم الحكمة عرف بتعاريف ، فمنها أنه العلم بأحوال أعيان الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية و منها أنه علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية ومنها التشبه بالإله علما وعملا وغيرها مما يقف عليها الباحث في كتب الفلسفة ، وقسموا الحكمة على أقسام باعتبارات شتى من النظرية والعملية وغيرها ثم اعلم أن للقوم كلمات في حق هذا العلم وآداب تعلمه وتعليمه والتحرير فيه قال قطب الدين الأشكورى([21])في محبوب القلوب ما لفظه :
من أراد صيد طيور مطالب الحكمة المتعالية الحقة بلا مصاحبة كلاب الشكوك والأوهام فعليه بتربية صقور قواه العقلانية على آداب شريعة خير الأنام والتخلق بأخلاق أصحاب الوحي والإلهام ^ لتحصل له ملكة الطيران في فضاء مصائد كلمات الأوائل من الأعلام حتى اصطادوا طيور مأكولات اللحوم من المعارف الحقة اللذيذة ليغذى بها نفسه المجردة بعد المفارقة من دار الكربة و الآلام ، والأمثلة كمثل آخذ الصيود من أفواه الكلاب للإدام ، فهو كأكل الميتة أو المستظل بظل الذباب في اليوم الصائف ، فهذا كالمستيقظ المحترق أطرافه بنار الخيبة ، إلى آخر ما قال وأطرى وقال قبيله ما لفظه :
وفي‌ كلامه ع (يعنى مولانا أمير المؤمنين ع) : (إن كلام الحكماء إذا كان صوابا كان دواء ، وإذا كان خطاء كان داء)([22])وذلك لقوة اعتقاد الخلق فيهم وشدة قبولهم لما يقولونه ، فإن كان حقا كان دواء من الجهل ، وإن كان باطلا وجب للخلق علاج داء الجهل‌ هذا ما اقتضته الصروف والظروف بمقالة أوردناها حسب ميول أبناء العصر وأما الحكمة الحقة هي التي أخذت من معادن العلم وخزنة الوحي الذين من تمسك بذيلهم فقد نجى اللهم اجعلنا من التابعين لهم ومن المعرضين عن كل وليجة دونهم وكل مطاع سواهم وإياك إياك أيها القاري الكريم بما أبرزتها الفلاسفة مزبرجة ، فلا تغتر بما أودعوها في زبرهم ولا تحسن الظن بكلماتهم حتى تنجو من المهالك عصمنا اللّه وإياك([23]).
السيد عبد الأعلى السبزواري :
يقول السيد رحمه الله (ت:1414هـ) غلب استعمال الحكمة على الفلسفة المتوارثة عن اليونان وقد اصطلح على قدماء الفلاسفة بالحكماء وقسموهم إلى الإشراقيين والمشائيين والرواقيين كما أنهم قسموا الحكمة الاصطلاحية (الفلسفة) إلى علمية وعملية والثانية عبارة عن علم الفقه والأخلاق وقسموا الفقه إلى العبادات والمعاملات (أي العقود والإيقاعات) والأحكام والسياسات وأن بمعرفتها والعمل بها يصل الإنسان إلى مقام الإنسانية والخروج عن حدود الحيوانية البهيمية وبذلك تتم المدينة الفاضلة التي خلق الإنسان لأجل ورودها والاستكمال فيها . وقسّمت الحكمة العلمية إلى قسمين:الإلهيات والطبيعيات ، ولكل واحد منهما فصول وأبواب ، وقد جعل كل فصل من فصول الطبيعيات في العصر الحديث علما مستقلا برأسه . كما أن من فصول الفلسفة الإلهية البحث عن كلام اللّه تعالى من حيث قدمه وحدوثه وكثر النقض والإبرام فيه حتى جعل ذلك علما مستقلا له أبواب كثيرة وفصول طويلة . ولكن كل من نظر في الحكمة الاصطلاحية يرى أنها كغبار على اللجين ولو فرض فيها شيء صحيح فهو مستلهم من الوحي المبين أو السنة المقدسة وغيره ليس إلا من الأوهام والتخيلات والمغالطات وكل واحد منها حجاب عن الوصول إلى الواقع ولذلك كثر الخلاف وقل الوصول إلى المراد ، وقد ذكرنا أن الحكمة بمعزل عن البطلان والتكذيب ومنزهة عن جميع ذلك ، وإذا كانت الحكمة ما ذكروه فليست هي إلا العلم بالمصطلحات فقط فهي كعلم اللغة مثلا وهي صنعة وفن لا تزيد على سائر الصنايع والفنون بل ربما يكون بعضها أفضل منها كما هو المحسوس([24]).
ويقول أيضا :
قال بعض الأعاظم من الحكماء المتألهين : إن غاية ما للإنسان من الكمال هو الاتصال بالعقل الفعال المسيطر على الملك والملكوت تسيطر الروح على الجسد.وهذا صحيح إذا كان المراد بذلك روح القرآن والشريعة الأحمدية المنبعثة عن الحقيقة المطلقة الأحدية لأن الإحاطة بالواقعيات صعبة جدا إن لم تكن ممتنعة مهما بلغت فطنة العقول في الحدة والذكاء والدقة لا سيما بالنسبة إلى المعارف وأسرار القضاء والقدر التي لا يمكن أن يحيط بها غير علام الغيوب ، وقد ورد النهي عن الخوض في جملة منها وأنه لا يزيد الخوض فيها إلا تحيرا ، فلا مناص للحكيم إلا الوقوف على ظواهر الكتاب والسنة المقدسة وهي تحتوي على معادن العلم والحكمة والمعارف وما يكفي لتكميل النفوس الناقصة وإيصالها إلى أوج الكمال والمعرفة وهي الحكمة الحقة التي تفيد لجميع النشآت قال تعالى : [ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ]([25])، أي الكتاب المشروح بالسنة أو السنة الشارحة للكتاب ، وقال تعالى : [وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ]([26])، وهو مصدر كل علم ومعرفة هذا بالنسبة إلى الحكمة العلمية. وأما الحكمة العملية فلا بد وأن تكون مطابقة للشريعة المقدسة الحتمية وإلا كانت لغوا محضا([27]).
الشيخ علي النمازي :
يقول الشيخ رحمه الله (ت:1402هـ) : المراد بها الحكمة التي آتاها الله تعالى أنبياءه ورسله وأولياءه لا الأباطيل التي لفقتها الفلاسفة بأهوائهم وآرائهم ومقائسهم، فإن أباطيلهم التي سموها الحكمة لا تثمر الخوف من الله ، بل تثمر الأمن من العذاب لأنها تثمر التطور والجبر والتوحيد الأفعالي ، بخلاف الحكمة الإلهية فإنها تورث الخوف وعليها ينطبق الرواية المشهورة : رأس الحكمة مخافة الله تعالى([28]).
إن من الأمور البينة هو أن الحكمة في القرآن الكريم والسنة النبوية غير الفلسفة.وهذا هو الذي عليه كلمات الأعلام ــ كما تقدم ذكر ثلة منها ــ ولا مجال لتوهم أن الفلسفة هي المعنى المراد عند الثقلين ، إلا عند بعض أصحاب التوجه الفلسفي ممن يمثل تراث اليونان دينا يدين الله به ! قد حاول تكلف التطابق بين المعنيين ولم يدل تكلف كهذا إلا على تعصب يزري بعقل صاحبه.
ويرى أبو حيان الأندلسي أن الفلاسفة أولى بهم يُسمّوا بالسفهاء الجهلاء بدلا من الحكماء حيث يقول في معرض حديثه عن الفخر الرازي : وكثيرا ما ينقل هذا الرجل عن حكماء الإسلام في التفسير ، وينقل كلامهم تارة منسوبا إليهم، وتارة مستندا به ويعني : بحكماء الفلاسفة الذين خلقوا في مدة الملة الإسلامية، وهم أحق بأن يسمّوا سفهاء جهلاء من أن يسموا حكماء ، إذ هم أعداء الأنبياء والمحرفون للشريعة الإسلامية ، وهم أضر على المسلمين من اليهود والنصارى([29]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) من لا يحضره الفقيه،ج4،ص376.
[2] ) أمالي الصدوق،ص576.
[3] ) أصول الكافي،ج1،ص51.
[4] ) غرر الحكم ودرر الكلم،ج1،ص204.
[5] ) غرر الحكم،ج1،ص350.
[6] ) غرر الحكم ودرر الكلم،ج1،ص350.
[7] ) غرر الحكم ودرر الكلم،ج1،ص377.
[8] ) غرر الحكم ودرر الكلم،ج1،ص378.
[9] ) غرر الحكم ودرر الكلم،ج2،ص111.
[10] ) سورة البقرة : 269 .
[11] ) تفسير العياشي،ج1،ص158.
[12] ) المحاسن،ج1،ص148.أصول الكافي،ج1،ص185.
[13] ) سورة البقرة : 269 .
[14] ) أصول الكافي،ج2،ص284.
[15] ) سورة البقرة : 269 .
[16] ) تفسير العياشي،ج1،ص158.
[17] ) أصول الكافي،ج2،ص128.
[18] ) انظر ديباجة مرآة العقول في الجزء الأول.
[19] ) خاتمة مستدرك الوسائل،ج2،ص61.
[20] ) شرح إحقاق الحق،ج1،ص97.
[21] ) من أعلام القرن الحادي عشر.
[22] ) نهج البلاغة،ج4،ص63.
[23] ) شرح إحقاق الحق،ج1،ص484.
[24] ) مواهب الرحمن،ج4،ص374.
[25] ) سورة الأنعام : 38 .
[26] ) سورة الأنعام : 59 .
[27] ) مواهب الرحمن،ج4،ص373.
[28] ) مستدرك سفينة البحار،ج2،ص350.
[29] ) البحر المحيط،ج6،ص46.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.