خرافات فلسفية (7) خرافة توقف رد الشبهات وإثبات الخالق على الفلسفة
خرافات فلسفية (7)
خرافة توقف رد الشبهات وإثبات الخالق على الفلسفة
إن إثبات المطالب العقدية ودفع الشبهات حولها غير منوط بالفلسفة كما تولد هذا التوهم في أذهان بعض المندفعين نحوها ؛ عندما قدم الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله أصفهان طرحوا عليه شبهاتٍ فلسفية وطلبوا منه الإجابة عنها فأجاب بما ينبغي لكن من دون استعمال المصطلحات المعهودة في الفلسفة فلم يقبلوا منه وقالوا : إنك لم تدرس الفلسفة فكيف تجيب عن هذه الأسئلة ؟
فقال : أجيب عنها من خلال مطالعاتي لروايات أهل البيت ونحن غير مأمورين ببيان الاصطلاحات العقلية بل نحن مكلفون بما تتحقق معه النتيجة([1]).
ومراد الشيخ من الاصطلاحات العقلية هي الاصطلاحات الفلسفية وليس دور العقل في دحض الشبهات كما أن روايات العقائد تتضمن بيانات عقلية.
وحتى مناظرات الأئمة عليهم السلام مع الملحدين كانت بالمدركات العقلية وليست بالمصطلحات الفلسفية ، وإليك بعض النماذج لكي تتضح الصورة بشكل أجلى : روي أن الديصاني قال للإمام الصادق عليه السلام: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي فقال له أبو عبد الله عليه السلام اجلس وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال له أبو عبد الله ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال له أبو عبد الله يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبرا قال فأطرق مليا ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه([2]).
وسأل ابن أبي العوجاء الإمام الصادق عليه السلام فقال : ما الدليل على حدوث الأجسام ؟ فقال : إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر ، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى ، ولو كان قديما ما زال ولا حال ، لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي كونه في الأولى دخوله في العدم ، ولن تجتمع صفة الأزل والعدم في شيء واحد([3]).
وعدم توقف العقائد على الفلسفة صرَّح به جملة من الأعلام من ضمنهم السيد الخوئي رحمه الله عندما سُئل : هل إن دراسة الفلسفة لازمة لطالب العلوم الدينية الذي يضع نفسه في موضع الأخذ والرد بالنسبة إلى سائر العقائد والأديان وهل هناك وجوب كفائي على طلاب العلوم الدينية في القيام بهذا الدور ، وهل يمكن إدخال هذا تحت عنوان كونه (أي الفلسفة) مقدمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو كونه مقدمة للحفاظ على الدين أو كليهما ، وإن لم تكن لازمة لطلاب العلوم الدينية فهل فيها رجحان أو لا رجحان فيها أصلا،ثم إن دراسة الفلسفة على من تكون غير جائزة ــ أرجو أن توضحوا لنا جواب هذه الفقرة تماما ــ ولو فرضنا أن فهم علم أصول الفقه أو بعض أبوابه ــ فهما صحيحا كاملا ــ كان متوقفا عليها فهل هناك رجحان في دراستها عموما،أو بقيد أن هذا الطالب يكون له مستقبل جيد في الإفادة إن شاء الله ؟
فأجاب : لم يتضح لنا توقف ما ذكر على دراسة الفلسفة وقد تعرضوا للمقدار اللازم منها في طي أصول الدين والفقه ، وإذا خاف من الضلال إثر دراستها حرم وإلا فلا مانع منه في حد نفسه ، والله العالم([4]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) في مدرسة الشيخ بهجت،ج2،ص149.
[2] ) أصول الكافي،ج1،ص198.
[3] ) أصول الكافي،ج1،ص191.
[4] ) صراط النجاة،ج1،ص459.