خرافات فلسفية (6) خرافة بعض الأدلة الفلسفية موجودة في الأحاديث

 

خرافات فلسفية (6) خرافة بعض الأدلة الفلسفية موجودة في الأحاديث
قد يُقال أن بعض الأدلة المطروحة في الفلسفة على إثبات وجود الخالق عز وجل من قبيل دليل الحدوث المذكور في الأحاديث ، والذي يلزم منه وجود محدث للعالم فكيف أنكم لم تعيروها أهمية مع أنها أحاديث صدرت عن الأئمة عليهم السلام وتتضمن جنبة عقلية ؟
والجواب إذا كانت الأدلة الفلسفية قد اختزلها الفلاسفة الإسلاميون من النصوص الدينية فقيمتها ترجع للنصوص ، ولم تحسب للفلسفة ونحن كلامنا في ما استطاعة أن تقدمه الفلسفة من أدلة على وجود الخالق عز وجل.
هذا من جهة ومن جهة أخرى أن دليل الحدوث الذي يعني لكل حادث محدث يرجع لدليل العلية الذي يقضي بوجود علة لكل معلول ، كما يرجع لدليل العلية برهان النظم أيضا : (كل منتظِم يدل على مُنظم له) ولم يكن برهان النظم([1])خارجا عن قانون العلة والمعلول مما يعني لكل منتظم علة موجدة له([2]). ومحصل ذلك : الأدلة الفلسفية إما مقتضبة من صياغة النصوص الدينية ، أو من بديهة العقل ، أو أنها في نهاية الأمر ترجع لبديهة العقل كما في قانون العلية ، وإذا لم ترجع لبداهة العقل تبقى مفاهيم وتقسيمات للوجود الذهني ولا يقر به الملحد . وبصورة أكثر وضوحا واختصارا : عند الإعراض عن الأدلة المذكورة في الكتب الفلسفية في إثبات وجود الخالق سنجد بعض الأدلة حاضرة في مجادلة الملحدين لبداهتها .
وقد يُشكل ويقال هذا الذي تسمونه بديهيا هو فلسفي فلا مشكلة لدينا بالتسمية وبالنتيجة يكون من الأدلة الفلسفية ويحسب على الفلسفة .
والجواب عن ذلك : إن هذا البديهي الذي أنتم تسمونه فلسفيا يعرفه الفقيه والرجالي والأصولي والنحوي…بل يعرفه عامة الناس لبداهته العقلية فلا يُحسب للفيلسوف ومن ثم يعده إنجازا له ، وبعبارة أخرى : عندما تسمونه فلسفيا لا يحسب على الفلسفة ولا يعد إنجازا لها ، ومن ثم تخالون أنفسكم أفضل من يمكنه مجادلة الملحدين على وجه الأرض ، وتسفهون غيركم وترمونهم بعدم القدرة على مجاراة الملحدين ؛ فلا أدري هل التسفيه والمنة والتفضل على غيركم للتسمية فقط ؟! هل إنجازكم الذي شيدتموه وتطاولتم به على غيركم هو تبديل الألفاظ والمسميات بمسميات أخرى !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) النصوص الدينية في مجال التوحيد كثيرا ما تطرقت لبرهان النظم : قال عز من قائل:[سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ].سورة فصلت:53.
[إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ].سورة الرعد:17.إلى غيرها من الآيات.
وقد اتخذه الأئمة عليهم السلام في التدليل على وجود الخالق وإثبات وجوده ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (ألا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر ، وسوى له العظم والبشر انظروا إلى النملة في صغر جثتها ، ولطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحظ البصر ، و لا بمستدرك الفكر ، كيف دبت على أرضها ، وصبت على رزقها ، تنقل الحبة إلى جحرها ، و تعدها في مستقرها . تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها…فالويل لمن أنكر المقدر وجحد وجحد المدبر).نهج البلاغة،خطبة:(85)
وعن الإمام الصادق عليه السلام في كلامه للمفضل بن عمر الجعفي : (يا مفضل أول العبر والدلالة على الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها ، على ما هي عليه ، فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وخبرته بعقلك ، وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده،فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم مضيئة ، كالمصابيح،والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكل شيء فيها لشأنه معد ، والإنسان كالمالك ذلك البيت ، والمخول جميع ما فيه . وضروب النبات مهيأة لمأربه ، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه . ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملائمة ، وأن الخالق له واحد ، وهو الذي ألفه ونظمه بعضا إلى بعض ، جل قدسه وتعالى جده).التوحيد،ص11.والأحاديث في هذا المجال كثيرة جدا.
[2] ) إن المقصود من قانون العلية هو المعنى الكلامي لا المعنى الفلسفي كما يأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.