النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(2)
النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(2)
إن بعض المعاني تُعد من الغلو والقائلين بها من الغلاة من دون أدنى شك وتردد لدلالة الضروريات الدينية ولما نصت عليها الأخبار الكثيرة وإليك بيانها بشيء من التفصيل.
1 ـ الاعتقاد بأنهم آلهة :
إن من معاني الغلو التي ادعاها بعض الغلاة هو القول بإلوهية الأنبياء والأئمة كما غالت النصارى في النبي عيسى عليه السلام وجعلوه ثالث ثلاثة : [يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ].
وكما قالت اليهود عزير ابن الله والنصارى عيسى ابن الله : [وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ].
وفي التشيع نسب الغلاة الإلوهية والنبوة للأئمة عليهم السلام ؛ يقول الشيخ المفيد رحمه الله : (الغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته – عليهم السلام – إلى الإلوهية والنبوة )([1]).
وقد كان من يُسلم على رسول الله ويقول له : السلام عليك يا ربي كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : السلام عليك يا ربي ! فقال : مالك لعنك الله ، ربي وربك الله)([2]).
وري عنه عليه السلام أن قوما جاءوا إلى أمير المؤمنين عليهم وقالوا له السلام عليك يا ربنا : (أتي قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا : السلام عليك يا ربنا ، فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها نارا وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها وأفضى بينهما ، فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الأخرى حتى ماتوا)([3]).
وعبد الله بن سبأ ممن ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (لعن الله عبد الله بن سبأ([4])أنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبدا لله طائعا الويل لمن كذب علينا وأن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم نبرأ إلى الله منهم)([5]).
ومن الذين قالوا بإلوهية أمير المؤمنين عليه السلام رئيس البيانية بيان بن سمعان([6])كما روى الصفدي : رئيس البيانية بيان بن سمعان التميمي النهدي كان من الغلاة في علي وإليه تنسب الطائفة البيانية وغلا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى قال هو إله وحل فيه جزء إلهي اتحد بناسوته به كان يعلم الغيب ويظفر بالكفار وبه اقتلع باب خيبر وأن روح الإله تعالى حلت في علي([7]).
وقد تبرأ أمير المؤمنين عليه السلام من الذين ادعوه فيه الربوبية : (أنا عبد من عبيد الله لا تسمونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ولا معشار العشر)([8]).
وروي عن سدير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن قوما يزعمون أنكم آلهة ، يتلون بذلك علينا قرآنا : [وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ] فقال : (يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : وعندنا قوم يزعمون أنكم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآنا : [يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ] فقال : يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة الا وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : فما أنتم ؟ قال نحن خزان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض) ([9]).
وعنه عليه السلام : (لعن الله المغيرة بن سعيد أنه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد ، لعن الله من قال فينا مالا نقوله في أنفسنا ولعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا)([10]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) تصحيح اعتقادات الإمامية،ص131.
[2] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص589.
[3] ) الكافي،ج ٧،ص٢٥٧.
[4] ) إن بعض الباحثين ومنهم العلامة السيد مرتضى العسكري في كتابه (عبد الله بن سبأ) قال : أنه رجل اختلقه خصوم الشيعة كيداً لهم وإزراءً عليهم . ولكن الصحيح أن ابن سبأ لم يكن مختلقاً لأنه ورد ذكره ولعنه في روايات كثيرة.
[5] ) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)،ج ١،ص ٣٢٤.
[6] ) اختلف في ضبط اسمه فقال العلامة الحلي : (بنان – بضم الباء بعدها النون قبل الألف وبعدها).خلاصة الأقوال،ص328.
[7] ) الوافي بالوفيات،ج10،ص205.
[8] ) بحار الأنوار،ج ٢٦،ص ٦.
[9] ) أصول الكافي الكافي،ج1،ص٢٦٩.
[10] ) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)،ج٢،ص .٤٨٩