النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(17) من أسباب الغلو(5)(6)
من أسباب الغلو :
5 ـ وضع الأحاديث في الغلو ودعم حكام الجور للغلاة:
إن من أسباب الغلو هو أن المخالفين وضعوا الأحاديث في الغلو ، ودعم حكام الجور للغلاة في نشر الغلو من أجل خلق صورة منفرة عن أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم وهذا هو دأب أعداء أهل البيت عليهم السلام يختلقون شتى الصور من أجل النيل من مكانتهم وإضعاف أتباعهم والحط من قدرهم لا سيما من كانت بيده السلطة ويسهل عليه إيجاد مثل هذه الوسائل فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام : (يا بن أبي محمود إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عز وجل :[وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ]([1])يا ابن أبي محمود إذا اخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا فإنه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه)([2]).
ويقول الشيخ أسد حيدر رحمه الله كان الحكام وراء نشاط فرق الغلاة للوقيعة بالشيعة والحط من كرامة أهل البيت عليهم السلام : (إن أعظم شيء على الشيعة هو حمل فرق الغلاة عليهم وإضافتها إليهم ؛ ولقد كان الحكام وزبانيتهم وراء نشاط تلك الفرق الضالة ومؤازرتهم بالسياسة ، وسهلت لهم الطرق ليصلوا إلى غايات في نفوسهم من الوقيعة في الشيعة ، والحط من كرامة أهل البيت ، إذ كانوا لا يستطيعون أن ينالوا من عقائدهم أو ينتقصوهم بشيء ، والأمر واضح كل الوضوح ؛ فإن مذهب أهل البيت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وتعاليمهم هي المحور الذي يدور عليها نظام الإسلام فكان دخول الغلاة في صفوف الشيعة عبارة عن حركة سياسية أوجدتها عوامل من جهة ، والفتك بالإسلام من جهة أخرى ، لأن دخول الغلاة في الإسلام كان انتصارا لمبادئهم ، إذ لم يجدوا طريقا للانتقام من الإسلام إلا باختراع المغالاة في بعض العقائد الإسلامية عندما عجزوا عن مقابلته بالقوة وجها لوجه ، وانهزموا أمام قوم وطئوا أرضهم بأقدام لا تتأخر خطوة إلى الوراء إما الموت أو الفتح)([3]).
6 ـ التعمق بالرأي والتنازع فيه والزيغ والشقاق :
إن من أسباب الغلو وشعبه التعمق بالرأي ، والتنازع فيه ، والزيغ ، والشقاق كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (بني الكفر على أربع دعائم : الفسق ، والغلو ، والشك ، والشبهة… والغلو على أربع شعب : على التعمق بالرأي ، والتنازع فيه ، والزيغ ، والشقاق)([4]).
وذلك لأن التعمق في الدين بغير حق والغور في الأمور الغامضة التي لم يتطلب منا معرفتها وتكلف إبداء النظر والرأي فيها يؤدي إلى الغلو وغيره من المعاني والمتبنيات الباطلة.
يقول ابن ميثم البحراني (ت:679هـ) رحمه الله في شرحه : التعمق وهو الغلو في طلب الحق والتعسف فيه بالجهل والخروج إلى حد الإفراط وهو رذيلة الجور من فضيلة العدل ويعتمد الجهل بمظان طلب الحق . ونفر عن هذه الرذيلة بذكر ثمرتها وهى عدم الإنابة إلى الحق والرجوع إليه لكون تلك الرذيلة صارت ملكة .
والثانية : التنازع وهو رذيلة الإفراط من فضيلة العلم ويسمى جربزة ويعتمد الجهل المركّب ولذلك نفّر عنه بما يلزمه عند كثرته وصيرورته ملكة من دوام العمى عن الحق .
والثالثة : الزيغ ويشبه أن يكون رذيلة الإفراط من فضيلة العفة وهو الميل عن حاق الوسط منها إلى رذيلة الفجور ويعتمد الجهل ، ولذلك يلزمه قبح الحسنة وحسن السيئة وسكر الضلالة ، واستعار لفظ السكر لغفلة الجهل باعتبار ما يلزمهما من سوء التصرّف وعدم وضع الأشياء مواضعها ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى رذيلة التفريط من فضيلة الحكمة المسماة غباوة .
والرابعة : الشقاق وهو رذيلة الإفراط من فضيلة الشجاعة المسماة تهورا أو مستلزما له . ويلزمها توعر المسالك على صاحبها وضيق مخرجه من الأمور لأن مبدأ سهولة المسالك واتساع المداخل والمخارج في الأمور وهو مسالمة الناس والتجاوز عما يقع منهم والحلم عنهم واحتمال مكروههم([5]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) سورة الأنعام:108.
[2] ) عيون أخبار الرضا،ج1،ص272.
[3] ) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة،ج1،ص249.
[4] ) أصول الكافي،ج1،ص391.
[5] ) شرح نهج البلاغة،ج5،ص258.