النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(16) من أسباب الغلو(3)(4)

 

 

النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(16)
من أسباب الغلو:
3 ـ الفرار من إقامة الفرائض وأداء الحقوق :
إن من الأسباب التي دعت الغلاة إلى تبني الغلو هو الفرار من أداء الفرائض والحقوق فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : (لعن الله الغلاة والمفوضة فإنهم صغروا عصيان الله وكفروا به وأشركوا وضلوا وأضلوا فرارا من إقامة الفرائض وأداء الحقوق)([1]).
4 ـ حب الرئاسة وتزعم رئاسة المغالين :
إن من أسباب الجهر بالغلو هو من أجل حب الرئاسة وتزعم فئة من الناس يعتقدون بمعتقدات باطلة فالجهر بالغلو يكون بالنسبة إليهم هو الطريق المؤهل لتلك الزعامة الذي عند فقده يفقدونها كما كان يفعل الشريعي أبو محمد يكذب على الأئمة عليهم السلام وينسب إليهم ما لا يليق بهم حيث روى الشيخ الطوسي : (عن أبي علي محمد بن همام قال : كان الشريعي يكنى بأبي محمد قال هارون : وأظن اسمه كان الحسن ، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ثم الحسن بن علي بعده عليهم السلام ، وهو أول من ادعى مقاما لم يجعله الله فيه ، ولم يكن أهلا له ، وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ، فلعنته الشيعة وتبرأت منه ، وخرج توقيع الإمام عليه السلام بلعنه والبراءة منه)([2]).
وكما ادعى عثمان بن عيسى الوقف على الإمام الكاظم عليه السلام وأنه حي لم يمت إذ روى الشيخ الطوسي في الغيبة عن يعقوب بن يزيد الأنباري ، عن بعض أصحابه قال : مضى أبو إبراهيم عليه السلام وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جوار ، ومسكنه بمصر . فبعث إليهم أبو الحسن الرضا عليه السلام أن احملوا ما قبلكم من المال وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار ، فإني وارثه وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه قبلكم وكلام يشبه هذا . فأما ابن أبي حمزة فإنه أنكره ولم يعترف بما عنده وكذلك زياد القندي . وأما عثمان بن عيسى فإنه كتب إليه إن أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حي قائم ، ومن ذكر أنه مات فهو مبطل([3]).
وكما كان الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي اللذان هما من المغالين مستأكلين بأهل البيت عليهم السلام فقد روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام : (أبرأ إلى الله من الفهري ، والحسن بن محمد بن بابا القمي ، فأبرء منهما ، فإني محذرك وجميع موالي وأني ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكلين يأكلان بنا الناس ، فتانين مؤذيين آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً . يزعم ابن بابا أني بعثته نبيا وأنه باب عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل منه ذلك)([4]).
وكان الفهري يدعي النبوة ويقول بالغلو والتناسخ وإباحة المحرمات كما ذكر الكشي : (قالت فرقة بنبوة محمد بن نصير النميري([5])، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري عليه السلام أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه السلام ، ويقول فيه بالربوبية ويقول بإباحة المحارم)([6]).
وقد كانوا يكذبون حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبهم كما روي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله وذكر الغلاة ، فقال : إن فيهم من يكذب حتى أن الشيطان ليحتاج إلى كذبه([7]).
نظير ذلك بعض الذين أذاعوا روايات المعارف أذاعوها من أجل أن يترأسوا تيارا يتبنى هذا الاتجاه والنمط من الأحاديث ، ولكن رواة المعارف أذاعوا الحق الذي أمروا بكتمانه ، فقد جعلوا الحق وسيلة لباطلهم وإن كان في نفس الإذاعة زلل عظيم ، وبعض الذين تزعموا التيار المغالي جعلوا الباطل (الغلو) وسيلة لغايتهم الباطلة (الزعامة) ، ولذا كان همة السفهاء الرواية كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (همة السفهاء الرواية وهمة العلماء الدراية).([8])
وعن المفضل بن عمر الجعفي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تفسير جابر ؟ فقال : لا تحدث به السفلة فيذيعونه([9]).
وعن ذريح المحاربي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جابر الجعفي وما روى ؟ فلم يجبني ، وأظنه قال : سألته بجمع فلم يجبني فسألته الثالثة ؟ فقال لي : يا ذريح دع ذكر جابر فان السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنعوا ، أو قال : أذاعوا([10]).
ومنه يظهر أن السفلة لهم غاية تكمن في إذاعة طابع معين من الأخبار .
والتعبير بالسفلة ورد في عدة روايات نعتت به المستأكلين بأهل البيت عليهم السلام وحديثهم ، من ذوي الخداع والمكر للوصول إلى مآربهم ومطامعهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) علل الشرائع،ج1،ص227.
[2] ) الغيبة،ص397.
[3] ) الغيبة،ص65.
[4] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص805.
[5] ) يقول التستري عن الخبر الذي رواه الكشي عند ترجمة الفهري وجاء فيه ذكر النميري : (خبر الكشي مع كلامه ذاك في موضع واحد عنونه مع ابن بابا وفارس في طي الغلاة في وقت الهادي عليه السلام . وحينئذ فخبره الثاني إما (الفهري) فيه محرّف (النميري) وإما المراد به (محمد بن حصين الفهري) ــ المتقدم ــ وسقط اسمه من العنوان ، وإلا فالفهري والنميري لا يجتمعان).قاموس الرجال،ج9،ص624.
[6] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص805.
[7] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص587.
[8] ) بحار الأنوار،ج2،ص160.
[9] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص437.
[10] ) اختيار معرفة الرجال،ج2،ص438.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.