النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(32) معنى أحاديث قولوا فينا ما شئتم دون الألوهية

 

النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(32) 
معنى أحاديث قولوا فينا ما شئتم دون الألوهية

إن أحاديث قولوا فينا ما شئتم دون الألوهية يُستظهر منها عدة معاني غير متنافية فيما بينها :

الأول : إن المراد منها كل ما يُقال فينا صحيح دون الألوهية لأن ذلك يندرج ضمن معرفتنا وفضلنا.

الثاني : أن يكون المراد كل ذلك صادق علينا ويدل عليه الخبر المتقدم عن الإمام الصادق عليه السلام : (وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ، ما تروون من فضلنا إلا ألفا غير معطوفة).

الثالث : إن هذه الأخبار تدل على أن مناقب أهل البيت فوق عقولنا ولا يمكن لها أن تتعقله وتحيط به ولذا جاء في أكثر من خبر : (لن تبلغوا) ونحوه كالخبر المروي عن الإمام الصادق عليه السلام : (اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا)([1]).

الرابع : إن كل ما يُقال في مناقب أهل البيت عليهم السلام وعظيم منزلتهم هو دون ما هم عليه من المكانة ورفيع المنزلة ، ويدل عليه الخبر المتقدم ذكره عن أمير المؤمنين عليه السلام : (إن الله عز وجل قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه وأصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون)([2]) مع غض النظر عن الكلام في سنده وصحته معناه مقبول صحيح ومما يناسب جعله تفسيرا وشارحا لهذه الأخبار .

وأيضا يدل عليه ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : (ليس يقدر أحد على صفة الله وكنه قدرته وعظمته فكما لا يقدر أحد على كنه صفة الله وكنه قدرته وعظمته : [وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى]([3]) فكذلك لا يقدر أحد على صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وفضلنا وما أعطانا الله وما أوجب من حقوقنا ، وكما لا يقدر أحد أن يصف فضلنا وما أعطانا الله وما أوجب الله من حقوقنا)([4]).

وأيضا يدل عليه ما روي عن الإمام الرضا عليه السلام : (من ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ، أو يمكنه اختياره ، هيهات هيهات ، ضلت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون وتصاغرت العظماء ، وتحيرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألباء ، وكلت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله)([5]).

وأيضا يدل عليه ما رواه الشيخ الصدوق عن الإمام الهادي عليه السلام في الزيارة الجامعة الكبيرة : (مواليّ لا أحصي ثناءكم , ولا أبلغ من المدح كنهكم, ومن والوصف قدركم)([6]).

والسيد الخوئي رحمه الله يرى مضمون تلك الأخبار صحيحا ولا يحتاج إلى رواية تثبته حيث سُئل  : (نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم) هل أن هذه المقولة حديث ؟ وإلى من تنسب من الأئمة الأطهار ؟

فأجاب ووافقه عليه الشيخ جواد التبريزي رحمهما الله : لا يحتاج تنزيههم عن صفات الرب المختصة به واتصافهم بجميع ما بدى تلك من صفات الكمال التي يمكن أن تنالها البشرية في قدسيتها ، كما هم منزهون عن ما لا يليق أن يتصف به المخلوق المعصوم عن الزلل والمعاصي لا تحتاج تلك إلى ورود رواية حتى نثبته بمضمونها إن كانت معتبرة ، أو نطرحها إن كانت ضعيفة غير معتبرة ، والله العالم([7]).

ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن أخبار : (قولوا فينا ما شئتم دون الألوهية) لا تعني الكذب واختراع الأخبار وإنما كل كمال ممكن فأهل البيت عليهم السلام هم أهل للاتصاف به .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) بصائر الدرجات،ص ٢٥٦.

[2] ) بحار الأنوار،ج26،ص2.

[3] ) سورة النحل:60.

[4] ) المحاسن،ص143.

[5] ) أصول الكافي،ج1،ص201.

[6] ) من لا يحضره الفقية،ج2،ص615.

[7] ) صراط النجاة،ج2،ص452.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.