ما هو العرفان النظري والعملي ؟

مائة سؤال وجواب في التصوف والعرفان

(2) س : ما هو العرفان النظري والعملي ؟

ج : إن العرفاء قسموا العرفان في القرون اللاحقة لظهوره إلى قسمين : العرفان العملي : وهو أعمال الإنسان المؤدية إلى التوحيد ومشاهدة الحق ، أو هو العلم بالله سبحانه من حيث أسمائه وصفاته كما عرفه بعضهم . ولا تنافي بين التعريفين بلحاظ أن العلم اعتقاد وركون عملي لما يتبناه ويقر به .

 العرفان النظري : وهو على ما عرفوه التعبير عن الحقائق والمعارف التوحيدية ، ولوازمها التي يصل إليها العارف عن طريق الشهود في آخر مراحله والتي تحصل بسبب الرياضة والعشق ؛ فالعرفان النظري لم يكن سوى تعبير عن تلك الحقائق لا أنه تلك الحقائق نفسها.

وعلى هذا يكون العرفان النظري عبارة عن آثار ونتاجات للعرفان العملي ، إذ بسبب الكشف والشهود الذي كان من ثمار العرفان العملي تحصلت جملة حقائق دونت باسم العرفان النظري ، وهذا مما يبين العلاقة والصلة بينهما.

وعرف بعضهم العرفان بأنه الإدراك الشهودي لذات الحق المقدسة ، وكشف خفيات عالم الوجود ببصيرة القلب والعلم الحضوري.

ولكن هذا عبارة عن تعريف للعرفان العملي ولا يشمل قسيمه الآخر . ويمكن أن يُجاب أن أصل التصوف والعرفان بحقيقته الشهودية غير ملحوظ فيه ما دُون من تلك الحقائق التي قُيدت بعد عصور من ظهور متبنيات ومعتقدات العرفان والتصوف.

ومما يرد على العرفان النظري أنه غير تام ولا يمكن من خلاله بيان الحقائق بإقرار بعض العرفاء ؛ وذلك لأن كشف العارف لا يمكن بيانه ووصفه من قِبل العارف نفسه ، ولا يمكن لغيره فهمه وإدراكه من خلال الوصف والبيان ، ومن ثم يُصرف الكلام إلى غير معناه وتحميله من المعاني والوجود ما لا يحتمل ، فيحدث حينها التحريف لما أُريد بيانه !

يقول السيد الطباطبائي في عدم إمكان بيان المكاشفات وعلى حد تعبيره المعاني الشهودية : الذين يحاولون بيان المعاني الشهودية من خلال القوالب اللفظية والعبارات اللغوية فهم كالذين يريدون بيان الألوان المختلفة للذي ولد من بطن أُمه أعمى ، فيحاول أن يدرك المعاني المرتبطة بالباصرة من خلال القوة السامعة([1]).

 ويقول أيضا : الذي يريد أن يضع المعاني الشهودية في قالب الألفاظ يكون مثله تماما كمثل الذي ينقل الماء بالغربال من مكان لآخر([2]).

ويقول السيد حيدر الآملي  : الكشفيات والذوقيات غير قابلة للعبارة والإشارة والسؤال والجواب([3]).

بل قد يكون المكاشف نفسه لا يعرف المراد ، فما بالك في بيانها وفهمها من قِبل غيره ولذا يقول ملا هادي السبزواري :  أنواع الكشف الصوري قد تتعلق بالأمور الدنيوية ولا مبالاة لأهل السلوك بها وقد يتعلق بالأمور الأخروية وهي المعبّرة عندهم وكما أن الرؤيا يحتاج إلى التعبير كثيرا ما ، كذلك الصور المشهودة الكشفية في اليقظة يحتاج إلى التأويل فليعرض على الكامل المكمل إن لم يفهم نفسه المراد سيما ما يتعلق بآفات النفس وعاهاتها([4]).

والأدهى من ذلك أن مكاشفات العرفاء قد تتناقض فيما بينها ، يقول ابن تركه: فإن ما يجده بعض السالكين قد يكون مناقضا لما يجده البعض الآخر منهم ولهذا قد ينكر البعض منهم البعض الآخر في إدراكاتهم الذوقية ومعارفهم الوجدانية الكشفية([5]).

 ولكن ملا صدرا يرى أنه يمكن بيانها وإقامة الدليل عليها فيقول : إياك وأن تظن بفطانتك البتراء أن مقاصد هؤلاء القوم من أكابر العرفاء واصطلاحاتهم وكلماتهم المرموزة خالية عن البرهان من قبيل المجازفات التخمينية أو التخيلات الشعرية حاشاهم عن ذلك وعدم تطبيق كلامهم على القوانين الصحيحة البرهانية والمقدمات الحقة الحكمية ناشئ عن قصور الناظرين وقلة شعورهم بها وضعف إحاطتهم بتلك القوانين([6]).

هذا ما أردتُ بيانه للعرفان النظري والعملي بلسان القوم وهل يمكن بيان المكاشافات من خلال الألفاظ أو عدم إمكان ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]) مجموعة مقالات،ج1،ص39.

[2] ) مقالات تأسيسية،ص69.

[3] ) جامع الأسرار ومنبع الأنوار،ص١٦٧.

[4] ) شرح دعاء الصباح،ص126.

[5] ) تمهيد القواعد،ص169.

[6] ) الحكمة المتعالية،ج2،ص315.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.