هل يوجد فرق بين التصوف والعرفان أم هما شيء واحد؟

مائة سؤال وجواب في التصوف والعرفان

(1)س:هل يوجد فرق بين التصوف والعرفان أم هما شيء واحد؟

ج : الإجابة عن ذلك في ثلاث حيثيات :

الحيثية الأولى :

إن تسمية العرفاء كانت تُطلق على الصوفية الذين وصلوا إلى مرتبة عالية ــ في نظر الصوفية ــ فلم تكن تسمية العرفاء تُطلق على جماعة مغايرة للصوفية ، وإنما على ثلة خاصة منهم امتازت بمزايا بحسب فهمهم وذوقهم.

يقول عبد الرحمن بدوي عن تسمية الصوفية بالعارفين : (كذلك الحال في تسميتهم بالعارفين فالعرفان مرتبة من مراتب الطريق فحسب ولا يصل إليها من الصوفية إلا من بلغ درجة عالية في سلم الطريق)([1]).

وقد يكون في بداية ظهور التصوف كانت تسمى به ثلة خاصة منهم ــ بمعنى كل عارف هو متصوف وليس كل متصوف هو عارف ــ وبعد ذلك أُطلقت على عموم الصوفية وأصبح كل الصوفية تُسمى وتعرف بالعرفاء والصوفية على حد سواء كما يقول ابن سينا : (المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها يخص باسم الزاهد والمواظب على فعل العبادات من القيام والصيام ونحوهما يخص باسم العابد والمتصرف بفكره إلى قدس الجبروت مستديما لشروق نور الحق في سره يخص باسم العارف وقد يتركب بعض هذه مع بعض)([2]).

 والسيد الخميني في تدريسه للمنظومة تحت عنوان : (الفرق بين التصوف والعرفان) يرى العرفان هو الجانب النظري للتصوف ، والتصوف هو الجانب العملي للعرفان ، أو القول بأن مفاهيم معينة بلحاظها النظري تسمى عرفانا وبلحاظها العملي تسمى تصوفا  حيث يقول : ‌(فائدة اصطلاحيه:صوفيه وعرفا وتصوف وعرفان كه كثيراً ما زبانزد ماست،بسا فرق بين موارد استعمال آنها رعايت نمى‌شود، با اينكه تفاوت هست؛ چون عرفان به علمى گفته مى‌شود كه به مراتب احديت وواحديت وتجليات به گونه‌اى كه ذوق عرفانى مقتضى آن است، پرداخته واز اينكه عالم ونظام سلسله موجودات، جمال جميل مطلق وذات بارى است بحث مى‌نمايد وهر كسى كه اين علم را بداند به او عارف گويند.كسى كه اين علم را عملى نموده، وآن را از مرتبه عقل به مرتبه قلب آورده ودر قلب داخل نموده است، به او صوفى گويند، مانند علم اخلاق، واخلاق عملى كه ممكن است كسى علم اخلاق را كاملًا بداند ومفاسد ومصالح اخلاقى را تشريح نمايد، ولى خودش تمام اخلاق فاسده را دارا باشد به خلاف كسى كه اخلاق علمى را در خود عملى كرده باشد)([3]).

ما ترجمته : العرفان : علم يبحث عن مراتب الأحدية والواحدية، وتجلياته تعالى الذي يقتضيه الذوق العرفاني، وإن العرفان يهتم بأن العالم ونظام سلسلة الموجودات هو جمال الجميل المطلق وجمال ذات الباري تعالى، وكل من يعلم هذا العلم فهو العارف.الصوفي: هو الذي يعمل بهذا العلم ويجعل منه -العلم- عمله وسلوكه ونسكه، وينزل هذا العلم من مرتبة العقل إلى مرتبة القلب، ويدخله إلى قلبه. هذا الرجل هو الصوفي.

ولكن الشيخ مرتضى مطهري يرى أن لا فرق بين معنى التسميتين وكل منهما يُطلق على نفس الجماعة إلا أنهم إذا ذكروا في المعرفة دُعوا بالعرفاء وإذا ذكروا في أمر اجتماعي دُعوا بالمتصوفة : (أهل العرفان إذا ذكروا في معرض المعرفة دُعوا بالعرفاء ، وإذا ذكروا في معرض أمر اجتماعي دُعوا بالمتصوفة)([4]).

وعلى هذا لم يكن التميز والتفرقة إلا في اللفظ دون حقيقة الجماعة وتوجههم.

وقد يكون الصوفية بلحاظ الظاهر ، والعرفاء بلحاظ الباطن كما يقول الشيخ محمد هادي معرفة  : (من هو العارف ومن هو الصوفي ؟ كلاهما تعبيران عن شخصية واحدة تجمع بين صفاء الباطن وزهد في ظاهر الحال . وإنما يقال له (الصوفي) باعتبار تقشفه في الحياة والاقتصار على أقل المعيشة وفي جشوبة في المأكل والملبس ، وكان من مظاهرها ملابس الصوف الخشنة تجاه ملابس الحرير الناعمة . فكان هذا النعت كناية عن تنسكه وتزهده في مزاولة الحياة …أما الوصف بالعرفان فلعرفانه الباطني وخلوصه في السير والسلوك إلى الله ومثابرته في سبيل معرفة الذات المقدسة وقربه منه تعالى .. فذاك وصف لظاهر الحال ، وهذا نعت لصفاء الباطن وعرفانه لمقام الذات)([5]).

وعند الرجوع إلى كلمات الأوائل من أقطاب الصوفية نجدهم يطلقون لفظ العارف والعارفين على ثلة خاصة من الصوفية ، أو لنقل أنهم يطلقونها على حقيقة الصوفي في نظرهم ، وعلى كل حال هي مستعملة في الصوفية ، يقول سفيان الثوري (ت:161هـ) : (لكل شيء عقوبة وعقوبة العارف باللّه انقطاعه عن الذكر)([6]).

ومما يثبت ذلك أيضا هو أننا نجد استعمال (العارف) في (الصوفي) في كلمات الصوفية الأوائل وإليك بعض كلماتهم التي تدلل على ذلك:

يقول الحلاج عند حديثه عن أبي يزيد : (مسكين أبو يزيد ، أين كان أبو يزيد مع بدء النطق ، إنما الحق نطق على الجهة ، فالمحجوب شهد (أبا يزيد) فيها ، والعارف انطوى عنده (أبو يزيد) عندها فلم يسمع ما سمعه ؛ لأنه من الحق سمع والحق ، ومن سمع الحق بالحق ما يظهر منه الإنكار ولا التعجب ولا الاستنكار)([7]).

وسئل ذو النون المصري (ت:245هـ)  عن العارف فقال : كان هاهنا فذهب([8]).

وقال أيضا : (أدب العارف فوق كل أدب ؛ لأن معروفة مؤدب قلبه)([9]).

وأيضا له : (معاشرة العارف كمعاشرة اللّه تعالى يحتملك ويحلم عنك تخلقا بأخلاق اللّه)([10]).

وسُئل أبو يزيد (ت:261هـ) عن العارف  فقال : (لا يرى في نومه غير اللّه ، ولا في يقظته غير اللّه ، ولا يوافق غير اللّه ، ولا يطالع غير اللّه تعالى)([11]).

ويقول الفراغانى  : سمعت الجنيد (ت:297هـ)  وقد سئل : من العارف ؟

قال : من نطق عن سرك وأنت ساكت([12]).

وقال الجنيد : (لا يكون العارف عارفا حتى يكون كالأرض يطؤه البر والفاجر وكالسحاب يظل كل شيء وكالمطر  يسقي ما يحب  وما لا يحب)([13]).

وأيضا يقول الجنيد يقول : (سمعت السري يقول : (الشوق أجل مقام للعارف إذا تحقق)([14]).

ويقول الشبلي (ت:334هـ) : (العارف لا يكون لغيره لاحظا ولا بكلام غيره لافظا ، ولا يرى لنفسه غير اللّه تعالى حافظا)([15]).

وسُئل الشبلي متى يكون العارف بمشهد من الحق ؟ قال : (إذا بدا الشاهد وفنى الشواهد وذهب الحواس واضمحل الإحساس).([16])

ويرى بعضهم أن لفظ العرفان والعرفاء له جذور في الفلسفة اليونانية
 والتصوف المسيحي وغيره([17]) ، ولا موجب للتوسع أكثر بعد ما تضح أن العرفان والتصوف ، والعرفاء والصوفية حقيقة واحدة غير متغايرة منذ القرون الأولى في الإسلام، وهذا ما أصبو لبيانه وإظهاره لكثير من الأخوة القراء الذين يتساءلون عن الفرق بين هذه العناوين والمسميات.   

 

الحيثية الثانية :

إن الواقع يشهد بأن العرفان هو التصوف والعرفاء هم الصوفية ولا فرق بين هذه العناوين والمسميات في الواقع الخارجي إذ إن كتب الصوفية مثل :(فصوص الحكم) (مصباح الأنس) (تمهيد القواعد) واسمه الكامل هو:(تمهيد القواعد الصوفية) ونحو هذه الكتب تُدرس بعنوان العرفان مع أنه لا خلاف ولا إشكال في عدها من كتب التصوف.وعندما نأتي للأفكار والمصطلحات نجد ما عند الصوفية من رؤى ومصطلحات هو عين ما موجود في الأوساط العرفانية مثل مصطلح (الإنسان الكامل) (الفناء في الله) (الأسفار الأربعة) (من لا شيخ له فشيخه الشيطان).والشخصيات المقبولة عند الصوفية مقبولة أيضا في الأوساط العرفانية وإذا أردت مثالا واضحا فدونك ابن عربي الذي تدرس كتبه ومتبنايته في الأوساط العرفانية الشيعية باسم العرفان.ولم يكن عند الأوساط العرفانية الشيعية شيئا مغاير لما عند ابن عربي وغيره من الصوفية بصورة عامة.

 

الحيثية الثالثة

إن مصنفات الصوفية القديمة جعلت لفظ العارف مرادفا للصوفي ولم تفرق بينهما وهذا مما يدلل على أن اللفظين يستعملان في معنى واحد ، وعلى سبيل المثال كتاب : (اللمع في التصوف) الذي هو من أهم مصنفات الصوفية القديمة لعبد الله السراج (ت:378هـ) لم يفرق فيه بين (العارف) و (الصوفي) لا سيما في البابين اللذين عقدهما تحت عنواني : (ما قالوا في المعرفة وصفة العارف وحقيقة ذلك) والآخر : (صفة العارف وما قالوا فيه).وأيضا الكلاباذي (ت:380هـ) في كتابه (التعرف لمذهب أهل التصوف) استعمل كلاً منهما مكان الآخر. وكذلك الهجويري (ت:465هـ) في : (كشف المحجوب) وعلى نحوهم أيضا عبد الكريم القشيري (ت:465هـ) في (الرسالة القشيرية) وعمر السهروردي (ت:632هـ) في : (عوارف المعارف) وسائر مصنفات الصوفية.

تتمة

منذ القرون الأولى في صدر الإسلام ـــ ناهيك عما إذا قلنا ما قبل الإسلام ـــ كان يطلق العرفان على التصوف والعرفاء على الصوفية ولكن بما أنه توجد معارف خاصة بالثقلين الكتاب الكريم والعطرة الطاهرة يمكن أن نقول : العرفان ينقسم على قسيمين : الأول : هو عرفان الثقلين . والآخر هو : العرفان الصوفي.

ولكن يستوجب أن لا يُغفل أن الشائع باسم العرفان والمتداول في الأوساط العرفانية هو العرفان الصوفي وإن ادعت هذه الأوساط أن عرفانها هو مأخوذ من أهل البيت عليهم السلام لا عبرة بادعائها إذ نفس الأفكار والمصطلحات يكذب هذه الدعوى ويشهد بخلافها.

ومما يجدر التنبيه إليه هو أن بعض العلماء من غير ذوي التوجه العرفاني يرى وجود فرق بين التصوف والعرفان وهو ناظر بذلك إلى أن العرفان المعرفة ومما يتقرب به إلى الله تعالى غير ناظر إلى ما هو الشائع في الواقع منذ القرون الأولى في الإسلام إلى يومنا هذا باسم العرفان فتنبه ولا تغفل عن ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) تاريخ التصوف الإسلامي،ص14.

[2] ) الإشارات والتنبيهات،ج٣،ص٣٧٣.

[3] ) تقريرات فلسفة(تقرير عبد الغني الاردبيلي)،ج2،ص 156.

[4] ) الكلام والعرفان،ص65.

[5] ) التمهيد في علوم القرآن،ج10،ص423.

[6] ) الرسالة القشيرية،ص335.

[7] ) الطواسين،ص262.

[8] ) الرسالة القشيرية،ص ١٢٤.

[9] ) الرسالة القشيرية،ص ٤٠٨

[10] ) الرسالة القشيرية،ص٤٤٠.

[11] ) الرسالة القشيرية،ص443.

[12] ) الرسالة القشيرية،ص71.

[13] ) الرسالة القشيرية،ص٤٤٢.

[14] ) الرسالة القشيرية،ص٤٦١.

[15] ) الرسالة القشيرية،ص٤٤٢.

[16] ) اللمع في التصوف،ص36.

[17] ) يقول السيد الطباطبائي  : (ليس التصوف مما أبدعه المسلمون من عند أنفسهم لما أنه يوجد بين الأُمم التي تتقدمهم في النشوء كالنصارى وغيرهم حتى الوثنية من البرهمانية والبوذية ، ففيهم من يسلك الطريقة حتى اليوم بل هي طريقة موروثة ورثوها من أسلافهم).تفسير الميزان،ج6،ص192.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.