تجسم الأعمال ما بين الحقيقة والخيال (13)
تجسم الأعمال ما بين الحقيقة والخيال (13)
تجسم الأعمال والخلود في الجنة والنار
إن القائلين بتجسم الأعمال بالرغم من عدم وجود دليل عليه إلا أنهم فسروا على ضوئها الخلود في الجنة والنار ، وغدوا يحلون الإشكالات المتعلقة بالخلود في النار على وفقها ، حيث ذكروا أن الإنسان هو الذي يخلد نفسه من خلال أعماله في النار ، ولم يكن الجزاء اعتباريا خارجا عن أعماله التي بسببها يخلد في العذاب ، يقول ملا صدرا : (المحقق عندنا إن الملكات النفسانية تصير صورا جوهرية وذواتا قائمه فعاله في النفس تنعيما وتعذيبا ولو لم يكن لتلك الملكات من الثبات والتجوهر ما يبقى أبد الآباد لم يكن لخلود أهل الجنة في الثواب وأهل النار في العقاب أبدا وجه فإن منشأ الثواب والعذاب لو كان نفس العمل أو القول وهما أمران زائلان يلزم بقاء المعلول مع زوال العلة المقتضية وذلك غير صحيح)([1]).
وردُّ ما ذكره من أن تجسم الأعمال يبقى إلى الأبد وذلك البقاء هو الموجب للخلود ولولاه يلزم بقاء المعلول بلا علة : هو أن لا ملازمة بين الخلود في النعيم والعذاب ، وبين تجسم الأعمال إلى الأبد ؛ لأن العمل علة لاستحقاقه النعيم أو العذاب ، وأما نفس النعيم والعذاب فهو معلول لإرادة الله عز وجل ؛فلا يلزم بقاء المعلول بلا علة.
الاستدلال بالسقيم على الصحيح
إن بعض المطالب الصحيحة مثل عدل الله عز وجل ــ الذي هو ثابت قرآنيا وروائيا ، وأجلى مما يبرهن عليه ــ يستدل عليها أحيانا بأدلة سقيمة غير صحيحة ، وأقل ما يُقال فيها لم تثبت شرعا كالاستدلال على عدم ظلم الله عز وجل بتجسم الأعمال وذلك بأن الموجودات التي يتعذب بها الإنسان في الآخرة هي صنيعة وتكون أعماله ، ولم يكن فيما يتعذب به في الآخرة من صنع الله عز وجل ، وقد تقدم كلام ملا صدرا بهذا الصدد الذي يُفسر فيه صحة الخلود في النار ولا يرى لسبب الخلود شيئا آخر : (المحقق عندنا إن الملكات النفسانية تصير صورا جوهرية وذواتا قائمه فعاله في النفس تنعيما وتعذيبا ولو لم يكن لتلك الملكات من الثبات والتجوهر ما يبقى أبد الآباد لم يكن لخلود أهل الجنة في الثواب وأهل النار في العقاب أبدا وجه فإن منشأ الثواب والعذاب لو كان نفس العمل أو القول وهما أمران زائلان يلزم بقاء المعلول مع زوال العلة المقتضية وذلك غير صحيح)([2]).
ومن كلامه في أن الإنسان هو الذي يصنع الصور التي يتنعم بها ويتعذب في الآخرة : (فعل الطاعات والمعاصي المؤدية للصور الحسنة والقبيحة في الدار الآخرة عند تجسم الأعمال فيتنعم بإحداهما ويتعذب بالأخرى وتانك الجهتان المصححتان لكون النفس فاعله لشيء ومنفعلة عنه هما موجودتان في النفس قبل أن تصير عقلا محضا وحينئذ يكون فعالا ودراكا بجهة واحده كما أشير عليه سابقا من أن فيه وعنه في العقل البسيط وهو العقل الفعال شيء واحد فقد ثبت أن جميع ما يلحق النفس في الآخرة هو ما ينشأ منها)([3]).
ويقول أيضا : (كما أن شدة الغضب في رجل توجب ثوران دمه واحمرار وجهه وتسخن بدنه واحتراق مواده والغضب صفة نفسانية موجودة في عالم باطنه وهذه الآثار من صفات الأجسام المادية وقد صارت نتائج منها في هذا العالم فلا عجب من أن يلزمها في نشأة ثانية نار موقدة تطلع فيها على الأفئدة فأحرقت صاحبها كما يلزمها هاهنا عند شدة ظهورها ضربان العروق والأوداج واضطراب الأعضاء وربما يؤدي إلى الأمراض الشديدة وربما يموت صاحبها غيظا)([4]).
يقول السيد الطباطبائي : (انتفاء الظلم بناء على تجسم الأعمال أوضح لأن ما يجزون به إنما هو عملهم يرد إليهم ويلحق بهم لا صنع في ذلك لحد)([5]).
ويقول محمد حسين الطهراني : (جزاء الأعمال ليس خارجا عنها ، وأنه نفس تجسد الأعمال وبروزها وظهورها . وقد برهن المرحوم صدر المتألهين على هذا الأمر في مواضع كثيرة ، سواءً في كتابه (الأسفار) أم في سائر كتبه الأخرى . لذا لا يمكن للإنسان الاحتجاج على ربه يوم القيامة ، بل للّه الحجّة البالغة دوما على الإنسان ، لأن الإنسان يرى نفس عمله ، ويرى الجنة وجهنم عين سلوكه وفعله وقد تجلى في صورة ملكوتية)([6]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) الحكمة المتعالية،ج5،ص293.
[2] ) الحكمة المتعالية،ج5،ص293.
[3] ) الحكمة المتعالية،ج5،ص44.
[4] ) الشواهد الربوبية،ج1،ص330.
[5] ) الميزان،ج13،ص325.
[6] ) معرفة المعاد،ج6،ص138.