الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (11) كان الله في عماء!
الأثر الفلسفي والعرفاني عند ابن أبي جمهور الأحسائي (11)
6 ـ كان الله في غماء :
نقل خبرا في العوالي والمجلي عن حماد بن سلمة ، أنه سأله صلى الله عليه وآله : أين كان ربنا قبل خلق السماوات والأرض ؟ فقال : صلى الله عليه وآله : كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء([1]).
إن هذا الخبر نقلته بعض مصادر العامة ومصنفات الصوفية ؛ فمن العامة رواه أحمد بن حنبل في مسنده وابن حبان في صحيحه : عن أبي رزين العقيلي أنه قال يا رسول الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض قال في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء)([2]).
ومن الصوفية نقله ابن عربي في فتوحاته : (ورد في الخبر أنه قيل لرسول الله ص أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه فقال رسول الله ص : كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء)([3]).
وذكر ابن عربي في فصوصه في نعت الله تعالى : (أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء ، فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق)([4]).
ويقول عبد الكريم الجيلي : (إن العماء عبارة عن حقيقة الحقائق التي لا تتصف بالحقية ولا بالخلقية ، فهي ذات محض لأنها لا تضاف إلى مرتبة لا حقية ولا خلقية ، فلا تقتضي لعدم الإضافة وصفا ولا اسما ، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام : (إن العماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء) يعني لا حق ولا خلق ، فصار العماء مقابلاً للأحدية ، فكما أن الأحدية تضمحل فيها الأسماء والأوصاف ولا يكون لشيء فيها ظهور ، فكذلك العماء ليس لشيء من ذلك فيه مجال ولا ظهور . والفرق بين العماء والأحدية أن الأحدية حكم الذات في الذات بمقتضى التعالي وهو الظهور الذاتي الأحدى ، والعماء حكم الذات بمقتضى الإطلاق فلا يفهم منه تعالى وتدان وهو البطون الذاتي العمائي ، فهي مقابلة للأحدية)([5]).
وهذا الخبر وما يتضمن من معنى هو من المعتقدات الباطلة المخالفة للضروريات التي شاعت واستفاضت في مجموعة من الأخبار وهو نفي المحل والمكان عن الله سبحانه وتعالى ؛ فمن ضمنها ما روي في أصول الكافي أن أمير المؤمنين عليه السلام سُئل : أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضا ؟ فقال عليه السلام : أين سؤال عن مكان ؟! وكان الله ولا مكان([6]).
ونقل الأحسائي لهذا الخبر جعله في معرض انتقاد السيد حبيب الله الخوئي في منهاج البراعة حيث من ضمن المؤاخذات التي ذكرها عليه هو نقله لهذا الخبر حيث يقول : (هذا الحديث من موضوعات الصوفية حسبما أشرنا إليه فيما تقدم ، وقد رواه أكثر الصوفية في كتبهم حتى محيى الدين في الفصوص وأكثر شرّاح الفصوص أيضاً)([7]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) عوالي الآلي،ج1،ص54.مجلي مرآة المنجي،ج2،ص710.
[2] ) مسند أحمد،ج4،ص12،صحيح ابن حبان،ج14،ص9.
[3] ) الفتوحات المكية،ج3،ص506.
[4] ) فصوص الحكم (شرح عبد الرزاق الكاشاني)،ص159.
[5] ) الإنسان الكامل،ص55.
[6] ) أصول الكافي،ج1،ص90.
[7] ) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة،ج13،ص414.