الصفات الفعلية يوصف الله تعالى بها قبل إيجاد الفعل
الصفات الفعلية يوصف الله تعالى بها قبل إيجاد الفعل
قد شاع في الكتب الفلسفية والكلامية لا سيما في العقود المتأخرة أن الصفات الفعلية منتزعة من مقام الفعل مثل الخالق والرازق ، ويوصف الله تعالى بالصفات الفعلية بعد خلق الخلق ولا يوصف بها (بالصفات الفعلية) قبل الخلق إلا أن هذا القول لا دليل عليه من الكتاب والعترة بل هو مخالف لجملة من النصوص الواضحة كما يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى ومضافا إلى ذلك إذا التزمنا بأن الصفات الفعلية منتزعة من مقام الفعل علينا أن نلتزم بأن الصفات الذاتية منتزعة من الفعل أيضا ولا يمكن نعت الله عز وجل بها قبل إيجاد الخلق مثل العالم الذي يقتضي وجود معلوم والسميع الذي يقتضي وجود مسموع والبصير يقتضي مُبصَر ونحو ذلك.
وبعض العلماء اختار انتزاع الصفات الفعلية من مقام الفعل مثل الشيخ المفيد في تصحيح اعتقادات الإمامية قائلا : (وصفنا له تعالى بصفات الأفعال كقولنا خالق ، رازق ، محيي ، مميت ، مبدئ ، معيد ، ألا ترى أنه قبل خلقه الخلق لا يصح وصفه بأنه خالق وقبل إحيائه الأموات لا يقال إنه محيي . وكذلك القول فيما عددناه ، والفرق بين صفات الأفعال وصفات الذات : أن صفات الذات لا يصح لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوه منها ، وأوصاف الأفعال يصح الوصف لمستحقها بأضدادها وخروجه عنها)([1]).
وذهب ابن عربي وشارح فصوصه القيصري إلى أن الله لا يوصف بصفات الأفعال قبل إيجاد الخلق وتحققها خارجا ، وإنما يصح وصفه تعالى بها بعد تحقق الفعل وإليك كلام ابن عربي مع شرح القيصري : (وهذه النسب أحدثتها أعياننا) أي هذه الصفات إنما ظهرت بأعياننا ، إذ لو لم تكن ، لما كان يظهر (الخالق) و (الرازق) و (القادر) ، ولا (السميع) و (البصير) ، وغير ذلك من الأسماء والصفات الإضافية . وليس المراد ب (الإحداث) الجعل والإيجاد ، لأنا مجعولون وموجودون بها فبجعل الحق وإيجاده إيانا تظهر تلك الصفات . (فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها) . المراد ب (المألوهية) عند هذه الطائفة ، مرتبة العبودية([2]).
وكلامهما يدل صريحا على افتقاره تعالى في صفاته الفعلية إلى إيجاد غيره للاتصاف بها.
ومن الفلاسفة الذين قالوا انتزاع الصفات الفعلية من مقام الفعل السيد الطباطبائي : (لا ريب أن للواجب بالذات صفات فعلية مضافة إلى غيره، كالخالق والرازق والمعطي والجواد والغفور والرحيم إلى غير ذلك ، وهي كثيرة جدا تجمعها صفة القيوم . ولما كانت مضافة إلى غيره (تعالى) كانت متوقفة في تحققها إلى تحقق الغير المضاف إليه، وحيث كان كل غير مفروض معلولا للذات المتعالية متأخرا عنها كانت الصفة المتوقفة عليه متأخرة عن الذات زائدة عليها، فهي منتزعة من مقام الفعل منسوبة إلى الذات المتعالية)([3]).
إن قوله واضح في توقف اتصاف الله عز وجل بالصفات الفعلية على تحقق الفعل خارجا ويكفي أن تلحظ : (كانت الصفة المتوقفة عليه متأخرة عن الذات زائدة عليها فهي منتزعة من مقام الفعل) وإذا أُبهم عندك معناه ولم تتفطن إلى مغزاه يمكنك مراجعة شروح النهاية حتى تعرف صواب ما ذكرتُ لك ، ويناسب هنا إيراد كلام بعض شراح النهاية :
يقول الفياضي عند شرح كلامه : قوله : (مضافة إلى غيره) أي : في تحقّقها زيادة على كونها ذات إضافة في مفهومها فإن الصفات الفعلية هي التي تتوقف اتصاف الذات بها على أمر خارج . ولعل هذا هو الموجب لتسميتها بالصفات الإضافية . وهذا بخلاف الصفات الذاتية ذات الإضافة ؛ فإنها إنما تكون الإضافة معتبرة في مفهومها فقط كالقدرة . قوله : (فهي منتزعة من مقام الفعل) لا واقع لها وراء الفعل في التحليل العقلي ، ولا يتصف بها الذات حقيقة ؛ بل إنما هي أمور خارجة عن الذات زائدة عليها ، وإن كانت هذه الصفات بحسب ما يفهمه العرف صفات له تعالى حقيقة . فما يفهمه العرف لا يساعد عليه العقل الدقيق([4]).
وما يهمنا من كلام الفياضي بشكل مختصر هو قوله : (الصفات الفعلية هي التي تتوقف اتصاف الذات بها على أمر خارج) أي أن الصفات الفعلية لا يوصف الله تعالى بها قبل إيجاد الخلق.
وأيضا بهذا المعنى الواضح صرح أحد الشراح قائلا : الذات المتعالية توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل ، من قبيل صفة الخلق والرزق ونحوها من الصفات ، فإننا بعد ملاحظة أفعاله تعالى والنعم التي يتنعم بها الناس ثم ننسبها إلى الواجب تعالى ، حينذاك نسميها رزقاً ، فيُقال الله رازق ، وحينما نلاحظ أن الله تعالى قد خلق ، نسميه خالقاً . . وهكذا . فما لم يوجد الله خلقا فلا يمكن انتزاع صفة الخالقية ، وما لم يكن هناك ما يرزقه لا يمكن انتزاع صفة الرازقية ، وهكذا إلى عشرات ومئات الأسماء مما يدخل في صفات الفعل التي تكون الذات بما هي غير كافية لانتزاعها ، بل لابد من وجود فعله تعالى لانتزاعها([5]).
ولكن ما روي عن الأئمة عليهم السلام يدل صريحا على خلاف ذلك حيث روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (كان ربا إذ لا مربوب وإلها إذ لا مألوه وعالما إذ لا معلوم وسميعا إذ لا مسموع)([6]).
وعن الإمام الباقر عليه السلام : (وكان عزيزا ولا عز لأنه كان قبل عزه وذلك قوله : [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ]([7])وكان خالقا ولا مخلوق)([8]).
وعن الإمام الكاظم عليه السلام : (عالم إذ لا معلوم وخالق إذ لا مخلوق ورب إذ لا مربوب وكذلك يوصف ربنا وفوق ما يصفه الواصفون)([9]).
وعنه عليه السلام : (كان عز وجل إلها حيا بلا حياة حادثة ، ملكا قبل أن ينشئ شيئا ومالكا بعد إنشائه)([10]).
وعن الإمام الرضا عليه السلام : (عالم إذ لا معلوم ، وخالق إذ لا مخلوق ، ورب إذ لا مربوب ، وإله إذ لا مألوه وكذلك يوصف ربنا ، وهو فوق ما يصفه الواصفون)([11]).
وعنه عليه السلام : (له معنى الربوبية إذ لا مربوب وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية كيف ولا تغيبه مذ ، ولا تدنيه قد ، ولا تحجبه لعل ، ولا توقته متى ، ولا تشمله حين)([12]).
وعن الإمام الحسن العسكري عليه السلام : (تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل كونها الخالق إذ لا مخلوق والرب إذ لا مربوب والقادر قبل المقدور)([13]).
والعلامة المجلسي عند شرح كلام الإمام الرضا عليه السلام المتقدم ذكره : (ليس مذ خلق استحق معنى الخالق) يقول : (إذ الخالقية التي هي كماله هي القدرة على خلق كل ما علم أنه أصلح ونفس الخلق من آثار تلك الصفة الكمالية ، ولا يتوقف كما له عليه)([14]).
ومراد العلامة المجلسي : هو أن الله تعالى بقدرته على الخلق يوصف بالخالق لا أن كماله ووصفه بالخالق متوقف على إحداث الخلق ليوصف بها.
ومن العلماء وبعض ذوي الاتجاه الفلسفي خالف انتزاع الصفات من مقام الفعل ووافق ما جاء في النصوص من نعت الله تعالى بصفات الأفعال قبل إيجاد الخلق ، ومن ضمنهم ــ مضافا لِما تقدم من كلام العلامة المجلسي ــ الفيض الكاشاني حيث يرى أن الصفات الفعلية ليست منتزعة من مقام الفعل: (ثبت أن كمالاته سبحانه ليست بأمر زائد على ذاته وأنها ثابتة له في الأزل ، ظهر أن مجده وعلوه تعالى في الفاعلية والعالمية والقادرية ونحوها من صفات الكمال ، ليس بالمعنى الإضافي الذي هو متأخر عن ذاته ، وعن وجود ما أضيفت هي إليه . على أن وجود الفعل عنه موقوف على كونه فاعلا ، فلو كانت فاعليته موقوفة على وجود الفعل ، لزم الدور ، بل علوه ومجده في صفاته العليا إنما هي بمبادئ تلك الإضافات المتقدمة على وجود ما تعلّقت هي به ، وهي كونه في ذاته بحيث ينشأ منه هذه الصفات ، وهو سبحانه إنما هو كذلك بنفس ذاته ، فأذن علوه ومجده في صفاته العليا ليس إلا بذاته لا غير ، وهذا معنى ما ورد عنهم عليهم السلام : له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البرائية([15]).
وأيضا القاضي سعيد القمي يقول بعدم توقف اتصاف الله تعالى بالصفات الفعلية على تحقق الفعل خارجا إذ يقول : (إن معنى الخالق ، وهو حقيقة هذا الاسم ، ثابت للّه سبحانه وكذا معنى البرائية ، وهو حقيقة الاسم البارئ في عالم الإلوهية . وإنما الخلق مظاهر لأحكام تلك الأسماء ومرايا هذه الكمالات . فالوجه الحسن الجميل ثابت له الحسن والجمال وإن لم يكن في الوجود مرآة فليس هو سبحانه بخلقه الخلق ، استحق معنى الخالق ولا بإحداثه البرايا ، استفاد معنى البارئ ، بل ذلك ثابت له أزلا وأبدا ؛ ليس على معنى أن له سبحانه إضافة واحدة هي كونه علة لجميع ما تحته فإن ذلك مما يقوله علماء الرسوم وليس لذلك في التحقيق مقام معلوم وأما أهل الحق ، فإنهم يقولون في كل صفة من الصفات الإضافية أنها ليست مستفادة من المخلوق ولا حاجة إلى رجوعها إلى صفة واحدة كما سنبين . نعم ، إنما يصح عندنا إطلاق هذه الأسماء ، عند إحداثه البرايا ؛ إذ نحن إنما علمنا أن له معنى الخالق حيث وجدنا مخلوقاته لا أنه استفاد ذلك المعنى بسبب خلقه . فتلك النسب والإضافات إنما هي بالنظر إلينا حيث استدللنا على كل صفة من صفاته الحسنى بظهور أحكام تلك الصفة ؛ وكذا يحدث هذه الإضافات بالنظر إلى الكلمات الفواعل والمدبرة بإذن اللّه ، في إظهار أحكام هذه الحقائق الأسمائية لا بالنظر إليه عز شأنه ؛ إذ لم يسبق له حال حالا فيكون خالقا بعد أن لم يكن خالقا ؛ ولأنه سبحانه مقدس عن ملابسة الزمان والزمانيات فليس بالنسبة إليه ماض وحال واستقبال ؛ فخلق زيد السّاعة لم يجعل خالقيته من ابتداء هذه الساعة إذ ليس هو في الزمان وليس فعله في الزمان ، بل مخلوقه في الزمان ولا يتفاوت عند الأزمنة بل الزمان عنده كآن فكون مخلوقه زمانيا لا يصير سببا لكون فعله زمانيا إذ فعله إنما ينزل من سماء الأزل إلى أرض الزمان . وليس في الأزل تقدم حال وتأخر أخرى وسبق وجود هذا وتأخر ذلك كما لا يخفى على من تجرد بعقله إلى فضاء اللازمان وشاهد أنوار هذا العالم بعين العيان . فإن قيل : أليس الخالق والبارئ من المضاف ؟! – ومن خواص المضافين أنه لا يتقدم أحدهما على الآخر من حيث هما مضافان – فكيف يوافق ذلك ما ذكرت ؟ وأيضا ، قد تحقق في العلوم العقلية عند أربابها أن أي واحد من المضافين يكون متحركا ، فإنه السبب في حصول الإضافة ، فعلى هذا يكون هو سبحانه مستفيدا من خلقه . قلنا : أما القول بالإضافة فذلك افتراء إذ الإضافة من المقولات واللّه سبحانه لا يوصف بخلقه فليس عنده إضافة ولا نسبة . نعم ، قد قلنا : أن تلك الصفات والنسب بالنظر إلينا وإلى الكلمات الفواعل التي هي خدام أسماء اللّه من الحقائق الموجودة في سلسلة الأسباب([16]).
والسيد الخوئي عند تعريف الصفات الفعلية لم يقل أنها منتزعة من الفعل وإنما قال ما يمكن الاتصاف بها وعدمها : (أن صفاته الفعلية هي التي يمكن أن يتصف بها في حال وبنقيضها في حال آخر)([17]).
وعلى ما يبدو والله أعلم لم يقل أن الصفات الفعلية منتزعة من الفعل لكي لا يتعارض مع ما روي في النصوص.
وبعد ذلك يوجد قول يذهب إلى أن الصفات الفعلية لا يوصف الله عز وجل بها قبل إيجاد الخلق وتحقق الفعل ، وقول يذهب إلى أن الله تعالى يوصف بالصفات الفعلية قبل خلق الخلق وإيجاد الفعل والفصل في هذين القولين هو في الرجوع إلى حديث أهل البيت عليهم السلام ، والشيء الحسن هو أن الأحاديث في المقام ذات دلالات جلية لا توجب الاختلاف في تفسيرها وتأويلها ، وقد دلت بشكل جلي وواضح على أن الصفات الفعلية ليست مكتسبة من وجود المخلوقين فلم يكن بعد إحداث الخلق اقتضى الاتصاف بها إذ إن الله تعالى خالق ورازق ومحيي ومميت من دون الافتقار إلى انتزاع هذه الصفات وغيرها من الصفات الفعلية إلى تحقق وجود الخلق.
وقد يُقال كيف اتصاف الله عز وجل بالخالق والرازق قبل إيجاد الخلق؟
ويمكن أن يُجاب أن الله عز وجل له معنى الخالق والرازق والربوبية وغير ذلك من حيث شأنه وقدرته على الاتصاف بها فيوصف بها قبل إيجاد الخلق لشأنه وقدرته على ذلك أي لقدرته على الخلق والرزق وسائر الصفات الفعلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) تصحيح اعتقادات الإمامية،ص41.
[2] ) شرح فصوص الحكم للقيصري،ص580.
[3] ) نهاية الحكمة،ص349.
[4] ) شرح نهاية الحكمة،ج4،ص1121.
[5] ) شرح نهاية الحكمة لكمال الحيدري (الإلهيات بالمعني الأخص)،ج ١،ص٣٩3 .
[6] ) أصول الكافي،ج1،ص139.
[7] ) سورة الصافات:180.
[8] ) توحيد الصدوق،ص67.
[9] ) أصول الكافي،ج1،ص141.
[10] ) توحيد الصدوق،ص141.
[11] ) توحيد الصدوق،ص57.
[12] ) توحيد الصدوق،ص38.
[13] ) كشف الغمة،ج3،ص215.
[14] ) بحار الأنوار،ج4،ص241.
[15] ) أصول المعارف،ص٢٩.
[16] ) شرح توحيد الصدوق،ج1،ص168.
[17] ) البيان في تفسير القرآن،ص406.
اتعجب كيف وصل هؤلاء الى انتزاع الصفة من الفعل وفاتهم ان أجنة السباع في رحم اناثها يحكم عليها بانها من (المفترسات )واجنة الدجاج يحكم علىها من الدواجن وهي في البيضة ولم يقم ن بفعل الافتراس او التعشب