النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(20) موقف الأئمة من الغلاة والتحذير من الغلو
النمرقة الوسطى ما بين الغلو والتقصير(20)
موقف الأئمة من الغلاة والتحذير من الغلو
إن موقف أهل البيت عليهم السلام ومجابهتهم للغلاة أمر واضح جدا وهو أوضح مما يُبيّن أو يشار إليه ولكن لا يمنع من الإشارة إلى بعض الأخبار التي تحذر من الغلو وتلعن المغالين وتبرأ منهم والتي من ضمنها :
عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الإسلام الناصب لأهل بيتي حربا وغال في الدين مارق منه)([1]).
عن أمير المؤمنين عليه السلام : (إياكم والغلو فينا قولوا إنا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم)([2]).
وعنه عليه السلام : (اللهم إني برئ من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ، اللهم اخذلهم أبدا ، ولا تنصر منهم أحدا)([3]).
عن الإمام السجاد عليه السلام : (لعن الله من كذب علينا ، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادعى أمرا عظيما ماله لعنه الله ، كان علي عليه السلام والله عبدا لله صالحا ، أخو رسول الله ، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله ، وما نال رسول الله صلى الله عليه وآله الكرامة من الله إلا بطاعته لله)([4]).
وعنه عليه السلام : (إن اليهود أحبوا عزيزا حتى قالوا فيه ما قالوا فلا عزيز منهم ولا هم من عزيز ، وأن النصارى أحبوا عيسى حتى قالوا فيه ما قالوا ، فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى وإنّا على سنة من ذلك إن قوما من شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزيز ، وما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، فلا هم منا ولا نحن منهم)([5]).
عن الإمام الصادق عليه السلام : (أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يجلس إلى غال فيستمع إلى حديثه ويصدقه على قوله ، إن أبي حدثني ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الإسلام الغلاة والقدرية)([6]).
وعنه عليه السلام : (احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم ، فإن الغلاة شر خلق الله ، يصغرون عظمة الله ، ويدعون الربوبية لعباد الله ، والله إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا)([7]).
وعنه عليه السلام أنه قال للغالية : (توبوا إلى الله فإنكم فساق كفار مشركون)([8]).
وعنه عليه السلام : (لعن الله الغلاة والمفوضة فإنهم صغروا عصيان الله وكفروا به وأشركوا وضلوا وأضلوا فرارا من إقامة الفرايض وأداء الحقوق)([9]).
وعن مالك الجهني قال كنا بالمدينة حين أجلبت الشيعة وصاروا فرقا فتنحينا عن المدينة ناحية ثم خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم وما قالت الشيعة إلى أن خطر ببالنا الربوبية فما شعرنا بشيء إذا نحن بأبي عبد الله واقف على حمار فلم ندر من أين جاء فقال يا مالك ويا خالد متى أحدثتما الكلام في الربوبية فقلنا ما خطر ببالنا إلا الساعة فقال اعلما أن لنا ربا يكلأنا بالليل والنهار نعبده يا مالك ويا خالد قولوا فينا ما شئتم واجعلونا مخلوقين فكررها علينا مرارا وهو واقف على حماره([10]).
عن الإمام الرضا عليه السلام : (إن من تجاوز بأمير المؤمنين عليه السلام العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين)([11]).
وعنه عليه السلام : (يا بن أبي محمود إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عز وجل :[وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ]([12])يا ابن أبي محمود إذا اخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا فإنه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه)([13]).
وعنه عليه السلام : (من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة يا بن خالد إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله ، فمن أحبهم فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبنا ، ومن والاهم فقد عادانا ، ومن عاداهم فقد والانا ، ومن وصلهم فقد قطعنا ، ومن قطعهم فقد وصلنا ، ومن جفاهم فقد برنا ، ومن برهم فقد جفانا ، ومن أكرمهم فقد أهاننا ، ومن أهانهم فقد أكرمنا ، ومن قبلهم فقد ردنا ، ومن ردهم فقد قبلنا ، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا ، ومن صدقهم فقد كذبنا ، ومن كذبهم فقد صدقنا ، ومن أعطاهم فقد حرمنا ، ومن حرمهم فقد أعطانا ، يا ابن خالد من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا)([14]).
وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج : عن أبي محمد العسكري عليه السلام : أن أبا الحسن الرضا عليه السلام قال : إن من تجاوز بأمير المؤمنين عليه السلام العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا ، وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني برئ من الغالين . فقام إليه رجل فقال : يا بن رسول الله صف لنا ربك ! فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا . فوصفه الرضا عليه السلام أحسن وصف ، ومجده ونزهه عما لا يليق به تعالى . فقال الرجل : بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله ! فإن معي من ينتحل موالاتكم ويزعم أن هذه كلها من صفات علي عليه السلام ، وأنه هو الله رب العالمين . فلما سمعها الرضا عليه السلام ، ارتعدت فرائصه وتصبب عرقا وقال : سبحان الله عما يشركون ، سبحانه عما يقول الكافرون علوا كبيرا ، أوليس علي كان آكلا في الآكلين ، وشاربا في الشاربين ، وناكحا في الناكحين ، ومحدثا في المحدثين . وكان مع ذلك مصليا خاضعا ، بين يدي الله ذليلا ، وإليه أواها منيبا أفمن هذه صفته يكون إلها ؟! فإن كان هذا إلها فليس منكم أحد إلا وهو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدث كل موصوف بها . فقال الرجل : يا بن رسول الله إنهم يزعمون : أن عليا لما أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله ، دل على أنه إله ، ولما ظهر لهم بصفات المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم ، وامتحنهم ليعرفوه ، وليكون إيمانهم اختيارا من أنفسهم . فقال الرضا عليه السلام : أول ما هاهنا أنهم لا ينفصلون ممن قلب هذا عليهم فقال : لما ظهر منه (الفقر والفاقة) دل على أن من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله ، فعلم بهذا أن الذي أظهره من المعجزات إنما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين ، لا فعل المحدث المشارك للضعفاء في صفات الضعف ([15]).
وذكر الطبرسي رحمه الله أيضاً : (قد روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : من ذم الغلاة والمفوضة وتكفيرهم وتضليلهم والبراءة منهم وممن والاهم ، وذكر علة ما دعاهم إلى ذلك الاعتقاد الفاسد الباطل ، ما قد تقدم ذكر طرف منه في هذا الكتاب . وكذلك روي عن آبائه وأبنائه عليهم السلام ، في حقهم والأمر بلعنهم ، والبراءة منهم ، وإشاعة حالهم ، والكشف عن سوء اعتقادهم ، كي لا يغتر بمقالتهم ضعفاء الشيعة ، ولا يعتقد من خالف هذه الطائفة أن الشيعة الإمامية بأسرهم على ذلك ، نعوذ منه وممن اعتقده وذهب إليه)([16]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) من لا يحضره الفقيه،ج3،ص408.
[2] ) الخصال،ص ٦١٤.
[3] ) أمالي الطوسي،ص650.
[4] ) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)،ج1،ص324.
[5] ) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)،ج1،ص33.
[6] ) الخصال،ص72.
[7] ) أمالي الطوسي،ص650.
[8] ) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)،ج2،ص587.
[9] ) علل الشرائع،ج1،ص٢٢٧.
[10] ) كشف الغمة،ج2،ص414.
[11] ) الاحتجاج،ج2،ص ٢٣٣.
[12] ) سورة الأنعام:108.
[13] ) عيون أخبار الرضا،ج1،ص272.
[14] ) توحيد الصدوق،ص364.
[15]) الاحتجاج،ج٢،ص ٢٣٣.
[16] ) الاحتجاج،ج2،ص231.