رسالة الشيخ جعفر كاشف الغطاء إلى أهل خوي
لما توسع العرفان الصوفي في أهل خوي ــ من مدن إيران ــ أرسل لهم الشيخ جعفر كاشف الغطاء رسالة فيها توبيخ وتهديد وتحذير بطريقة التهكم والاستهزاء ، هذا نص ما جاء فيها:
(بسم اللَّه والحمد للَّه والصلاة على محمد وإله . من المعترف بذنبه المقصر في طاعة ربه ، أقل الأنام ، كثير الذنوب والآثام ، الأقل الأحقر عبد اللَّه جعفر ، إلى الإخوان الكرام والأخلاء العظام ، أعاظم أهل خوي وأعيانها وأساطينها وأركانها . أما بعد : فقد صح الكلام المأثور والمثل المشهور أنه ما يثنى إلا وقد يثلَّث . فقد حصل ثالث الأديان في بلادكم ، المذهب الوهابي وبيكجان ، فهنيئا لكم على هذا الدين الجديد ، والمذهب السديد ، وظهور هؤلاء الأنبياء الذين يخاطبون بصفات جبار السماء ، بل كانوا عين اللَّه ، وكان اللَّه عينهم ، ولا فرق بينه وبينهم !! فدقّوا الطبول ، وغنّوا بالمزامير ، وأظهروا العشق للطيف الخبير ، وأكثروا النظر إلى الأمرد الحسان . فإنه يتحد بهم الرحيم الرحمن ، ودعوا الصلاة والصيام وجميع العبادات بالتمام ، فإنكم نلتم درجة الوصول ، فلمن تعبدون ؟! وأنتم مع اللَّه متّحدون فلمن تسجدون ؟ إنما يعبد من لم يبلغ الوصول إلى تلك الرتب ، كمحمد صلَّى اللَّه عليه وآله سيد العرب ، أما من لم يكن في جبته غير اللَّه فليس عليه صيام ولا صلاة . فالحمد للَّه الذي أعطاكم أنبياء متعددين ، وأَبان غَلَطنا في أن محمدا صلى اللَّه عليه وآله خاتم النبيين ، والشكر للَّه الذي بعث إليكم رسلا لا يعرفون أصلا ولا فرعا ، فلو سألت أكبرهم عن أفعال الشك لتحير ، أو عن أحكام السهو لما تدبر ، أو عن بعض الفروع الفقهية لوجدتموه جاهلا بالكلَّية . وعلى كل حال فلكم الهناء ، وقد بلغتم من معرفة الدين كل المنى ، ونحن لنا عليكم حق يجب عليكم فيه الأداء ، ولا يتم ذلك إلا بإرسال هؤلاء الأنبياء ، ليعلمونا كما علموكم ، ويفهمونا كما فهموكم ، لنصل إلى بعض ما وصلتم إليه ، ونقف على بعض ما وقفتم عليه . حلواى تنتنانى تا نخورى نداني([1]) .
فأقسمت عليكم باللَّه أن تطعمونا من هذه الحلواء التي ما ذاقها الأنبياء ، ولا الأوصياء ، ولا العلماء من المتأخرين والقدماء ، ولا وصفت أجزاؤها في كتاب منزل ولا على لسان نبي مرسل . فإما أن لا يكونوا علموها ولا وصلوا إليها ولا فهموها ، أو وجدوها حلواء ميشومة ، بأنواع السم مسمومة ، تقتل آكليها بحرارتها ، وتقطع أمعائهم لشدة مرارتها . واللَّه إني أُخبرت واختبرت أهل هذه الأقاويل ، فوجدتهم بين من يسلك هذه الطريقة ليتيسر له تحصيل ملاذ الدنيا : من النظر إلى وجوه الأمرد الحسان ، والتوصل إلى ضروب العصيان ، وبين من يريد جلالة الشأن وليس من أهل العلم حتى ينال ذلك في كل مكان ، فيدلَّس نفسه في اسم طاعة الرحمن ، وبين ناقص عقل قد امتلأ من الجهل . وإلا فكيف يخفى على الطفل الصغير فضلا عن الكبير السيرة النبوية ، والطريقة المحمدية والجادة الإمامية ، حتى يشتبه عليه التدليس ، وما عليه إبليس وجنود إبليس ؟ ! اللهم إني أنذرت ، اللهم إني أخبرت ، اللهم إني وعظت ، اللهم إني نصحت ، فلا تؤاخذني بذنوب أهل خوي وأمثالهم يا أرحم الراحمين)([2]).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) من الأمثال الفارسيّة بمعنى : من لم يذق لم يدر .
[2] ) مقدمة كتاب كشف الغطاء،ج1،ص28.