(53) س ما هو رأي عرفاء الشيعة في الحلاج ؟

 

(53) س ما هو رأي عرفاء الشيعة في الحلاج ؟

ج : إن الحلاج عند عرفاء الشيعة محل إكبار وإجلال ، ولم يرتضوا القدح فيه وبرروا أقواله ؛ وعلى سبيل المثال الخواجة نصير الدين الطوسي  يعتذر للحلاج ويدافع عنه فيقول : ليس المراد من الاتحاد ما توهمه جماعة قاصروا النظر أنه هو أن يتحد العبد بالله [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً]([1]) بل هو ألا ينظر إلا إليه من غير أن يتكلف ويقول كل ما عداه قائم به فيكون الكل واحدا بل من حيث إنه إذا صار بصيراً بنور تجليه ، لا يُبصر إلا ذاته تعالى لا الرائي ولا المرئي به ودعا الحسين بن منصور الحلاج قال:

بيني وبينك إنّي يُنازِعُني   فارفع بلطفك إنّي من البين

فاستجاب الله دعوته ورفع إنيته حتى استطاع أن يقول : (أنا من أهوى ومن أهوى أنا) وفي هذا المقام يتضح أن من قال : (أنا الحق)  ومن قال : (سبحاني ما أعظم شأني) لم يدع الإلوهية ، بل ادعى نفي إنيته وإثبات إنية غيره وهو المطلوب([2]).

والخوانساري لم يرتضِ دفاع الخواجة عن الحلاج فيقول : (ومن جملة المعتذرين عن هفواته الباطلة من علماء الطائفة هو الخواجه نصير الملة والدين الطوسى)([3]).

لا أدري لِمَ الدفاع عن هكذا شخصية مثل الحلاج والتبرير له ، ثم ما هو الدليل على هذا التوجيه والتأويل لكلامه؟!

والخواجة لم يذكر دليله على التأويل واكتفى فقط باتهام نقاد الحلاج بقصر النظر وأخذ يثني على الحلاج بلا حرج ولا تحرج.

ويقول السيد القاضي  : (إن أساس مطالب منصور الحلاج هي نفس مطالب سائر العرفاء ، وليس لديه شيء آخر دونهم لكنه كان مفشيا للأسرار الإلهية  فأوقع جمعا من الناس في الفتنة والفساد فرقي برأسه إلى المشنقة)([4]).

بمعنى أن مؤاخذة السيد القاضي على الحلاج هي من جهة إفشاء الأسرار وليس لشيء آخر.

وينقل السيد الطهراني رأي السيد هاشم الحداد في الحلاج  : (كان سماحة الحاج السيد هاشم يرفض طريقة الحلاج ويقول : إن هناك مطالب فيما نقل عنه تدل على نقصانه)([5]).

بمعنى أن السيد الحداد كان يعد الحلاج من أصحاب المقامات العالية إلا أنه غير كامل.

ويقول الطهراني : (الجميع يتفقون على أن جرم الحسين بن منصور الحلاج كان كشف الأسرار الإلهية ، وهو جرم عظيم)([6]).

مما يعني أن جرم الحلاج الوحيد في نظر السيد القاضي والطهراني  هو إذاعة الأسرار ليس إلا ، بل إن جميع المتأثرين بالتصوف يرون أن جرمه الوحيد هو إذاعة الأسرار كما في قول الطهراني المتقدم.

والشيخ جوادي آملي يؤيد ويترحم على مهدي القمشئي عندما قال أن ذنب الحلاج هو إفشاء الأسرار ، يقول الشيخ الآملي : رحم الله الأستاذ محيي الدين مهدي الإلهي القمشئي الذي كان يقول عن الحلاج في شعره :

قيل بأنهم صلبوا ذلك الصديق       لأن ذنبه كان إفشاء الأسرار([7])

وجعل كمال الحيدري قول الحلاج (أنا الحق)([8]) مرتبة من مراتب الارتقاء الرفيعة إذ يقول : (إن القائلين بذلك هم من السلاك الذين وصلوا إلى مرتبة لا يرون في الوجود أحدا غير الله تعالى ، فهم لا يرون حتى ذواتهم لأنها فنيت في الله تعالى، بمعنى عدم الالتفات لها أبدا)([9]).

ويبرر كمال الحيدري للحلاج وغيره قائلاً : (إن القائل بتلك الألفاظ (مثل أنا الحق وليس في جبتي سوى الله) وغيرها من الشطحات([10]) إنما قالها وهو غير ملتفت فيكون حاله حال القائل بها وهو نائم فهو معذور ولا يترتب عليه أي حكم شرعا لأنه غير ملتفت لأصل وجوده فضلا عما يقوله)([11]).

والسبب الأساسي في الثناء عليه لأنه كانت لديه معتقدات التصوف التي يرون أحقيتها.

وقد أجمع علماء الإمامية رضوان الله عليهم من المتقدمين والمتأخرين على ذمه والطعن فيه كالشيخ الصدوق والمفيد والطوسي والطبرسي (رضوان الله عليهم) ، وكان الحلاج ممن ادعى النيابة للإمام المهدي عليه السلام ، ولهذا جعله الشيخ الطوسي في عداد المذمومين والملعونين في باب : (ذكر المذمومين الذين ادعوا النيابة والسفارة كذباً وافتراءً)[12]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) سورة الإسراء : 43 .

[2] ) أوصاف الأشراف،ص65.

[3] ) روضات الجنات،ج3،ص109.

[4] ) الروح المجرد ص470.

[5] ) الروح المجرد،ص440.

[6] ) الروح المجرد،ص448.

[7] ) الحماسة والعرفان،ص118.

[8] ) نسب عمر السهروردي (أنا الحق) للحلاج إذ يقول : قول الحلاج (أنا الحق) . عوارف المعارف،ص91.

ومن أقوال الحلاج : يا إله الآلهة ويا رب الأرباب ويا من لا تأخذه سنة ولا نوم ، رُدّ إلي نفسي لئلا يفتتن بي عبادك ، يا من هو أنا ، وأنا هو لا فرق بين أنيتي وهويتك إلا الحدث والقدم.الطواسين،ص249.

ويقول ابن النديم متحدثا عن الحلاج : (كان في كتبه إني مغرق قوم نوح ومهلك عاد وثمود). الفهرست،ص241.

ومن أشعار الحلاج : أنا الحق والحق للحق حق    لابس ذاته فما ثم فرق . ديوان الحلاج،ص31.

[9] ) مراتب السير والسلوك،ص95.

[10] ) مثل قول أبي يزيد البسطامي : (سبحاني).انظر عوارف المعارف،ص91.

[11] ) مراتب السير والسلوك,ص98.

[12] ) انظر الغيبة،ص401.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.